رواية أول النهار
تحميل رواية أول النهار pdf تثير الفضول لسببين: فهي تحاكي، من ناحية أولى، ثلاثية محفوظ محاكاة صريحة، على رغم اختلاف الحجم 300 صفحة وهي تنجز هذه المحاكاة، من ناحية ثانية، في شكل مبدع يستدعي التأمل. فقد جرى البعض على التفريق بين الإبداع والمحاكاة، معتبراً الإبداعأصلاً، وناظراً إلى المحاكاة كظلٍ شاحب لأصل لا تمكن محاكاته؛ برهن سعد القرش عن اضطراب التفريق المفترض، مبيّناً أن المحاكي قادر على الإبداع بدوره، أخذ هذا الروائي من محفوظ مقولات كثيرة: رواية الأجيال التي تجعل الأب يستمر في ابنه وتسمح للابن الوليد بأن يكون جد أحفاده القادمين، وسطوة الزمن التي تمحو ذاكرة وتوقظ أخرى، وتناوب الميلاد الباعث على الفرح والموت الذي يثير حزناً مضاعفاً، والأب المؤسس الذي انبثق من ذاته وتشجَّر إلى عائلة متناتجة يسقط عليها الفرح سريعاً ويعبث بها الحزن كما يشاء. وهناك توالد الحكايات الذي هو من توالد البشر وانتهاء حكاية من لا نسل له... لم ينسَ القرش أن يواجه الزمن الإنساني، الذي لا جديد فيه، بصلابة التاريخ، الذي تصوغه عناصر إنسانية مبدعة، تتجاوز كثيراً الموت والميلاد، وهما يتحققان من دون مهارة، فالزمن الإنساني الراكد يحتفظ بتجانسه الرتيب، إذ الميلاد يتلوه الموت والمسرّة يعقبها الوجع، على خلاف التاريخ الذي يهزم زمناً جامداً بزمن متطور، ويخبر المجتمع الراكد أموراً لم يتوقعها، عثر محفوظ على التاريخ في ثورة 1919، التي وضعت أمام جيل قديم جيلاً جديداً يغايره، وذهب سعد القرش إلى حملة نابليون على مصر، التي يرى فيها كثير من المؤرخين بداية لـپنهضة مصر. أدرج الروائي في نصه ثلاثة مستويات: مستوى أسطوري، يُذكِّر بمستهلالحرافيشويتقاطع مع شخصية الأب فيالثلاثيةمعاً، ظهر الأسطوري في موقعين: الشخص الذي انبثق من ذاته، فـپالحاج عمرانهلكت عائلته وهو طفل لم يكمل عامه الأول، أنقذته وتعهدت تربيته خادمة أهله:حليمة، تجلّى الموقع الثاني في فعل التأسيس، ذلك أن الرجل الذي أنقذته الصدفة أسس، لاحقاً، بلدة جديدة، ولعل هذا البعد الأسطوري هو الذي مكّن الرجل من أن يخترق، قوياً، أجيالاً متعددة، وأن يبدو إنساناً فاضلاً وحامياً للفضيلة، غير أن البعد الأسطوري لن يمنع حكايةالذكر الوحيدالذي أنجب عائلة وتحمّل مآسي الحياة، راحلاً من حال الإنسان المفرد إلى حال الإنسان المحوّط بالأبناء والأحفاد، استدعى التكاثر أو الإستمرارية البيولوجية المستوى الحكائي، الذي يتحدث عن اتصال البشر وانفصالهم، حيث التزاوج الذي يقرن ذكراً بأنثى، والإنفصال الذي يأمر بنتاً صغيرة بفراق أمها، ويفرض على أخ أن يدفن أخاه... تتشكّل الحياة من علاقات الحب والموت، أو من علاقات الحضور والغياب، وذلك في تكرار فاجع، يكشف عن استمرارية الحياة من ناحية، وعن عجز الإنسان واغترابه من ناحية ثانية؛ تتقاطر الحكايات المتماثلة، كاشفة عن ركود حياتي في مجتمع زراعي لا جديد فيه، تعبّر عنه حكايات موروثة لا تعرف الجديد، ومع أن شيئاً يشبه التاريخ، وما هو بالتاريخ، يأتي من علاقة السلطة المملوكية بالفلاحين، التي قوامها النهب وتدمير البشر، فإن التاريخ الحقيقي يأتي مع جنود الفرنسيس المزودين بالمدافع والبنادق وبلغة جديدة، يضيء المستوى التاريخي، الآتي من الخارج، المستويين الأسطوري والحكائي، المتميزين بزمن فارغ يدور حول ذاته، لكن التاريخي لا يضيء الأسطوري والحكائي إلا ليذيبهما في زمن روائي، يقرأ الواقع ويؤوله ويرفضه، ذلك أنَّ الزمن الفرنسي الخارجي هو الذي أجبر الزمن الحكائي البسيط على التحوّل إلى زمن روائي، هو زمنالحضارة المنتصرة، الذي يروّع مجتمع الحكايات المتناظرة.
عرض المزيد