كتاب أحكام الجهاد وفضائله
تحميل كتاب أحكام الجهاد وفضائله pdf 1986م - 1443هـ أما بعد حمدِ الله الذي جلَّت قدرتُه، وعَلَت كلمتُه، وعمَّت رحمته، وسبغَت نعمتُه، فإن أفضلَ الأعمال بعد الإيمان بالله: الجهادُ في سبيل الله؛ لما فيه من محقِ أعداءِ الله وتطهير الأرض منهم، واستنقاذ أسرى المسلمين من أيديهم، وصَون دماء المسلمين وأموالهم وحُرَمهم وأطفالهم، وارتفاق المسلمين بما منحه الله من أراضي الكفار وأموالهم وإرقاق حرمهم وأطفالهم. ولذلك عظّم الله فيه أجرَ الطالب من المسلمين والمطلوب، والغالب والمغلوب، والقاتل والمقتول، وأحيا القتلى فيه بعد مماتهم، وعوّضهم عن حياتهم التي بذلوها لأجله بحياة أبديَّةٍ سرمديّة لا يصفها الواصفون ولا يعرفها العارفون. وكذلك لمَّا فارقوا الأهل والأوطان أسكنهم في جواره، وآنسهم بقربه بدلاً من أُنس مَن فارقوه من أحبائهم لأجله! فطوبى لمن حصل على هذا الأجر الجزيل في جوار الرّبّ الجليل. وإنما يحصل ذلك لمن قاتل في سبيل الله لتكون كلمةُ الله هي العليا وكلمةُ الذين كفروا السّفلى. قال الله: { وجاهدوا بأموالكم وأنفُسكم في سبيل الله }[ التوبة: 41 ]، وقال : { كتب عليكم القِتالُ وهو كُرْهٌ لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شرٌ لكم واللهُ يعلم وأنتم لا تعلمون }(2)[ البقرة: 216 ]، وقال : { جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسِنتكم }(3)[ أحمد، أبو داود والنسائي ]، أي أغلِظوا لهم الكلام. يشرُفُ البذلُ بشَرَفِ المبذول، وأفضل ما بذله الإنسانُ نفسه وماله. ولما كانت الأنفس والأموال مبذولةً في الجهاد جعلَ اللهُ مَن بذَلَ نفسه في أعلى رتب الطائعين وأشرفها؛ لشَرَفِ ما بذله مع محو الكفر ومحق أهله، وإعزاز الدين وصَون دماء المسلمين. قال الله تعالى: { فقاتل في سبيل الله لا تُكلَّفُ إلا نفسَك وحَرِّض المؤمنين عسى اللهُ أن يكفَّ بأسَ الذين كفروا }[ النساء: 84 ]، وقال تعالى: { يا أيها النبيُّ حرِّض المؤمنين على القِتال }[ الأنفال: 65 ]. من قاتل في سبيل الله بنفسه وحثّ على ذلك فقد باشَر الجهاد بنفسه وتسبَّب إلى تحصيله بحثِّه، فحاز أشرفَ التّسبب والمباشرة، وكان حثّه على ذلك أمراً بالمعروف الذي هو تلو الإيمان. وإذا كان هذا لمن تسبّب بقوله، فما الظنّ بمن تسبب إلى ذلك بقوله وفعله فجَنَّدَ الأجنادَ وباشرَ الجهاد؟ قول الله تعالى: { ومن يُقاتل في سبيل الله فيُقتَل أو يَغلب فسوف نؤتيه أجراً عظيما }[ النساء: 74 ]، وقال تعالى: { وفضَّلَ اللهُ المُجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً * درجاتٍ منهُ ومغفرةً ورحمةً وكان اللهُ غفوراً رحيماً }[ النساء: 95-96 ]، وروى أبو سعيد عن رسول الله أنه قال: { مَن رضي باللهِ رباً وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ رسولاً وجبت له الجنَّة } فعجب لها أبو سعيد فقال: أعِدها عليَّ يا رسول الله؟ فأعادها عليه ثم قال: { وأخرى يرفع اللهُ بها العبدَ مئةَ درجةٍ في الجنة، ما بين كل درجتين مثلُ ما بين السماء والأرض } قال: وما هي يا رسول الله؟ قال: { الجهاد في سبيل الله، الجهاد في سبيل الله، الجهاد في سبيل الله }[ مسلم ]، وقال : { إن في الجنة مئة درجةٍ أعدَّها اللهُ تعالى للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدَّرجتين كما بين السماء والأرض }[ البخاري ]، وقال : { مَثَلُ المجاهد في سبيل الله كَمَثَل الصائم القائم القانت بآيات الله لا يفتر من صيامٍ ولا صلاة حتى يرجع المجاهدُ في سبيل الله تعالى }[ متفق عليه ]، وسُئل : أيُّ الأعمال أفضل؟ فقال: { إيمانٌ بالله ورسوله }، قيل ثم ماذا؟ قال: { جهادٌ في سبيل الله }، قيل: ثم ماذا؟ قال: { حجٌّ مبرور }[ متفق عليه ]. إنما فضَّلَ اللهُ الجهادَ وجعله تلوَ الإيمان لما ذَكرنا من مصَالِحِه العاجلةِ ومنافعه الآجلة. .
عرض المزيد