كتاب النبذة الكافية في أحكام أصول الدين النبذ في أصول الفقه
تحميل كتاب النبذة الكافية في أحكام أصول الدين النبذ في أصول الفقه pdf 1985م - 1443هـ كِتابُ النُّبذةِ الكافيةِ في أحكام أصول الدِّين ، أو النُّبذ في أُصول الفِقه الظاهريِّ ، للإمام علي بن أحمد ابن حزم الأندلسيِّ (ت: 456هـ) تعالى ، من نفائسِ مُتون الُأصول التي ترُبِّي المَلَكة الأُصولية لمن رَام فهمَ عِلم الأُصول والحُكمَ على المعقولِ والمنقولِ . والكتابُ وإن كان لا يخلو من مُلاحظاتٍ ، فإن فيه منهجاً فريداً لَأساليبِ تعظيم النُّصوص والإستنباط منها ، وتربية الحِّس النَّقدي للمُتعلِّم . وإنَّني بهذه المناسبة أنصحُ نفسي ومن يقرأُ هذا المقال من المُعتنين الكِرام الخِيرَة ، أن يتأملوا هذا السِّفر الموجز البليغ في عباراته وأحكامه وقواعده المُختصرة ، فإنه يُمهِّدُ على المطالعِ كثيراً من عَناء الأُصول الذي لا يعرفهُ إلا من صَعُب عليه مُراده وعَزَّ مَرامه في مسائلهِ الوعرة ، التي لا يُطيقها إلا الرجال المهرة . وهذه نقداتٌ وتعقُّباتٌ واستدراكاتٌ موجزةٌ أمليتُها على بعض طُّلابي في الحَرم المكيِّ ، أثناء شرحي لِنُّبذ ابن حزم ، والنُّسخة التي إعتمدتُها في القرآءة هي نسخة الخانجي بمصر، طبعة سنة( 1431هجرية ) ، أسأل الله أن ينتفع بها من وقف عليها من صالح عباده ، إنه أكرمُ مسؤول وخيرُ مأمول ، وبالله تعالى التوفيق : ( أ ) : سبب تصنيف ابن حزم للنُّبذة الكافية : صنَّف ابن حزم النُّبذة الكافية لسببين ، الأول : لشرحِ أُصول الإستدلال التي إعتقد صحتها ، على مذهب أهل الظاهرِ، ومن رغب في الوقوفِ على معرفة جزئيات الُأصول بنوعيه : أصول الدِّين وأُصول الفقه . الثاني : للردِّ على المُغالطات المنهجية والفقهية في تسفيهِ آراء الناقدين والناقمين لمذهب أهل الظاهر . وقد حرص ابنُ حزمٍ تعالى أن يخلط فيها بين التقعيد الحديثيِّ والأُصوليِّ . فَيشترطُ لمن طالع هذه النُّبذة أن يُطالع طريقة ابن حزم في الإستدلال الحديثيِّ ،قبل أن يَدلف إلى مُطالعة ترجيحاته الأصولية . وهذه النُّبذة الكافية لا تُغني عن الكتاب الأُم ، ولا يُنصحُ من أراد نقد المذهب أو التوسُّع فيه أن يكتفي بمُطالعتها فحسب ، لكنها زبُّدة ميسرة لكتابه ” الإحكام في أصول الأحكام ” ، فقد قال : ” فإننا لما كتبنا كتابنا الكبير في الُأصول وتقصَّينا أقوال المُخالفين وشُّبههم وأوضحنا بعون الله تعالى ومنَّه البراهين في كُّل ذلك ، رأينا بعد إستخارة الله تعالى والضراعة إليه في عونه على بيان الحق ، أن نجمع تلك الجُمل في كتابٍ لطيفٍ فَيسهلَ تناوله ويقرُبُ حِفظهُ ويكون إن شاء الله درجةًإلى الإشراف على ما في كتابنا الكبير في ذلك ، وحسبنا الله ونعم الوكيل ” . وإنني أُرشدُ من فَهم هذه النُّبذة الكافية أن يُبادر لمطالعة كتاب ” الإحكام في أصول الإحكام ” ، ففيه من الفوائد والفرائدِ ما يعزُّ نظيره ، ولا يكاد يُوجد في سِّواه ، وليس الخبرُ كالمعاينة . (ب) : المسائل الأُصولية التي ناقشها ابنُ حزم في النُّبذة : المسائل التي ناقشها ابنُ حزم في كتابه أربعون مسألةً تقريباً، وهذا مَسردٌ لها على حسب ورودها في الكتاب : التكليف ، الطاعة والمعصية ، الإجماع ، إجماع الصحابة ، إجماع العصر المتأخِّر ، إجماع أهل المدينة ، دعوى تخصيص الإجماع ، الراجح والمرجوح في الإختلاف ، النقل المتواتر ، خبر الواحد ، التدليس ، العدالة في الرواية ، المقطوع ، خبر الثقة ، وقوع اللفظة على معنيين ، دعوى النسخ ، حكم إنفاذ الأوامر ، تأخير البيان ، مواطن النَّسخ ، الأوامر والنواهي ، أفعال النبي ، حُكم الخطأ والنسيان والإكراه ، حكم النِّية في الأعمال ، واليقين والشك في العبادات ، الواجب المُضَّيق والواجب الموسَّع ، حكم الإستثناء ، حكم مُدَّعي الصُّحبة ، حكم مخالفة الراوي لما رواه ، المتشابه من القرآن ، حكم حقوق الله ، حكم الأفعال بحضرة الرسول صلى الله عليه وسلم وغيابه ، هل الحقُّ في قولٍ واحدٍ أم في الأقوال كُّلها ؟ ، حكم شريعة من قبلنا ، الحكم بالرأي ، الحكم بالقياس ، الأدلة العقلية والنقلية على بُطلان القياس ، حكم التعليل ، حُكم العملِ بدليل الخطاب ، حُكم التقليد ، حكم من لم تقم عليه الحُجَّة . (ج) : المسائل الأُصوليةِ التي لم ينُاقشها في النُّبذة : هناك مسائل أُصولية كثيرةٌ لم يُناقشها ابن حزمٍ في النُّبذة الكافية ، لكن أشهرها سِّت عشرة مسألة ، وهي إما مسائل تُفهمُ من سِّياق المسائل الأخرى ، أو مسائل أعرض عنها ابن حزمٍ خشية التطويل والإملال . وهذه المسائل جليلة عند الأصولييِّن عامة ، وهي : الحكم الشرعي ، الرُّخصة والعزيمة وأثرها ، دلالات الألفاظ ، هل النبيُّ يدخل في الخطاب العام ؟ ، حكم الأمر بعد الحظر ، أحوال المطلق والمقيَّد ، العام وتخصيصه ، حكم تخصيص عامِّ القرآن بخبر الآحاد ، حكم المشترك والمترادف والأضداد ، هل الواو لمطلق الجمع أم تقتضي الترتيب ، حكم تقليدُ العالِم ِللعالِمِ ، المقاصد الشرعية وأحكامها ،المصالح المرسلة ، سدُّ الذرائع . فإن قال قائل : ما فائدةُ هذه المسائلِ مع ورود أضعافها في النُّبذة الكافية ؟ قيل : التنبيهُ على ضوابط خطاب الله للمكلَّفين ، وتحريرُ محلِّ الخِلافِ في المسائل المتشابهة التي فيها أقوال ، ومعرفةُ حُدود الأوامر والنواهي ، ومتى يرتفع الإثمُ عن المكلَّف عند عدم قِيامه بالفعل ؟ ، وهل المكلَّفون يستوون في الخطاب الشرعي أم لا ؟ . (د) منهجُ ابن حزم في النُّبذة الكافية : سلك ابنُ حزمٍ تعالى في النُّبذة الكافية ثلاثة مسالك مهمة ، لإقناع القارىءِ بفقه الشريعة الإسلامية عامة وفقه الظاهرية خاصة . المسلك الأول : المسلك البرهانيُّ : ويقصدُ به الدليل العقليِّ الموافق للفطرة ، وقد ساعدهُ تضلُّعه في المنطق من إستعمالِ هذا المسلك ، وتوظيفه لتضعيفِ وتصحيحِ الأدلة التي يستدلُّ لها أصحابُ المذاهبِ الُأخرى ، سواء كانت فقهية أو عقدية . وقد أحصيتُ عددَ المرَّات التي قال فيها ابن حزم تعالى ” وبُرهانُ ذلك ” فبلغت عشرين لفظةً ، وهذا يدلُّ على توظيفه للبرهان العقليِّ، وسأضرب مثالينِ على هذا ، فقد قال : ” إذا اجتمعت الأمةٌ على إباحة شيٍ أو تحريمه أو إيجابه ثم ادَّعى بعضهم أن ذلك الحُكم قد انتقل ، لم يُلتفت إلى قوله إلا بنصٍّ ، وإلا فقولهُ باطلٌ ، لأنه دعوى لا إجماع معها ولا نص من كتاب ولا سنة ، فهي ساقطة ، لقوله تعالى : ” قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ” ( البقرة : 111) فصحَّ أن من لا برُهان له فليس صادقا أعني في ذلك ، وأما إذا جاء نصٌّ بحكم ما ، ثم خُصَّ الإجماع بعضهُ فواجب الإنقياد للإجماع . فإن إدَّعى مُدعٍ أن ذلك التخصيصُ متمادٍ ،وخالفه غيره فالواجب قطع ذلك التخصيص والرجوع الى النصِّ إذ هو البرهان ” ( النُّبذة الكافية /26) . المسلك الثاني : الأدلة من الكتاب والسنة ، وقد ساق ثمانيةً وستين ومئة دليلٍ لتقعيد المسائل في النُّبذة الكافية . وطريقته في إيراد الأدلة أنه يذكرُ المعنى أو الفائدة التي يُريد التدليل عليهما فَيعقِّبُ عليه بالنصِّ من الكتاب أو السنة الصحيحة ، مثال ذلك قوله : ” فالواجب أن لا يُحال نصٌّ عن ظاهره إلا بنصِّ آخر صحيح ،مخبرٌ أنه على غير ظاهره ، فنتبع في ذلك بيانَ الله تعالى وبيان رسوله صلى الله عليه وسلم كما بين قوله تعالى : ” ولم يَلبسوا إيمانهم بِظُلم ” ( الأنعام : 82) أن مراده تعالى به الكفرَ، كما قال : ” إن الشرك لظلم عظيم ” ( لقمان : 13) ، أو إجماعٌ مُتيقَّن كإجماع الأمة على أن قوله تعالى : ” يُوصيكم الله في أولادكم للذَّكر مثلُ حظِّ الأُنثيين ” ( النِّساء : 11) أنه لم يُرِد بذلك العبيد ولا بني البنات مع وجود عاصبٍ ، ونحو ذا كثير ، أو ضرورةٌ مانعةٌ من حَمل ذلك على ظاهره ، كقوله تعالى : ” الذين قال لهم الناسُ إن الناسَ قد جمعوا لكم فاخشوهم ” ( آل عمران : 173) فبيقين الضرورة والمشاهدةِ ندري أن جميع الناسِ لم يقولوا : إن الناس قد جمعوا لكم ” ( النُّبذة الكافية :39 )...... .
عرض المزيد