تحميل كتاب شعر الجهاد في الحروب الصليبية في بلاد الشام ميجل دى ثربانتس PDF

شارك

شارك

كتاب شعر الجهاد في الحروب الصليبية في بلاد الشام لـ ميجل دى ثربانتس

كتاب شعر الجهاد في الحروب الصليبية في بلاد الشام

المؤلف : ميجل دى ثربانتس
القسم : الأدب العربي
الفئة : الشعر العربي
اللغة : العربية
عدد الصفحات : 0
تاريخ الإصدار : غير معروف
حجم الكتاب :
نوع الملف : PDF
عدد التحميلات : 211 مره
تريد المساعدة ! : هل تواجه مشكله ؟
وصف الكتاب

تحميل كتاب شعر الجهاد في الحروب الصليبية في بلاد الشام pdf أهداف هذا البحث: أتمنى على الله عز وجل أن أصل فيه إلى:1 –التعرف على زمن الحروب الصليبيىة 2 –أهم الأهداف التى دعت إلى قيام الحروب الصليبية على الإسلام والمسلمين. 3 –حال المسلمين حين قيام هذه الحروب.أسباب هزيمةالمسلمين فى الحروب، وأيضا أسباب النصر. 5 –خصائص شعرالجهاد فى تلك الحقبة وأهاتجاهاته. 6 –شعراء هذا العهد الذين كتبوا فى شعر الجهاد. 7 - أهم موضوعات شعر الجهاد وأبرز سماته الفنية. هيكل البحث، البحث مقسم إلى ثلاثة فصول: الفصل الأول: الحروب الصليبية وكيف تصدى لها المسلمون المطلب الأول: ماهيتها وأهدافها المطلب الثانى: كيف تصدى لها المسلمون الفصل الثانى: أبرز الشعراء الذين كتبوا فى شعر الجهاد الفصل الثالث: شعر الجهاد المطلب الأول: أهم موضوعاته المطلب الثانى: السمات الفنية وخصائصه الخاتمة الفهرس. الفصل الأول: الحروب الصليبية وكيف تصدى لها المسلمون المطلب الأول: ماهية الحروب الصليبية وأهدافها يراد بالحروب الصليبية تلك الحروب التي قامت بين المسلمين في المشرق العربي وبين الصليبيين القادمين من أوربا لاحتلال بيت المقدس وبلاد الشام ومصر، والقضاء على الدولة الإِسلامية ووقف انتشار الإِسلام في أوربا، وهي حروب دينية في منطلقاتها، شنتها أوروبا النصرانية الحاقدة بدعوى تحرير القدس من المسلمين، والحقيقة أنها للقضاء على الإِسلام وإذلال المسلمين، وقد استمرت تلك الحروب قرنين من الزمان (490 هـ:690هـ). ونستطيع بملاحظة تاريخ أوربا قبل الحملة الصليبية، وبملاحظة طرق التحميس من البابا أوربان الثاني، وبملاحظة خط سير الحملة الأولى، والمواقف التي تمت في رحلة الذهاب إلى أرض الشام، ثم بملاحظة الأحداث التي رأيناها أثناء الحروب الفعلية في آسيا الصغرى والشام وفلسطين؛ نستطيع بملاحظة كل هذه الأمور أن نحدِّد بواعث هذه الجموع المختلفة إلى أن تجتمع للخروج في الحملة الصليبية. (بواعث الحملة الصليبية) وهذه البواعث تضم ما يلي: أولاً: الباعث الديني وهذا الباعث يشكِّل إحدى الدعامات الرئيسة لهذه الحملة، وإن لم يكن كما ذكرنا الدافع الوحيد، ونحن نعلم من القرآن الكريم، وكذلك من السُّنَّة المطهرة أن الحرب أبدية بين الإسلام ومن يرفضه، ولن يقنع الكثير من الناس بالتعايش السلمي مع الإسلام حتى لو مدَّ الإسلام يده بالتصافح والتحابِّ؛ لذلك فليس مستغربًا أن يسعى البابا أوربان الثاني لحرب المسلمين حتى دون وجود مسوغات معينة تدفع لهذه الحرب، فهم مسلمون وهذا في حدِّ ذاته يكفي أن يكون سببًا في حربهم. وقد تكررت في كلماته ألفاظ توحي بعدم اعترافه بالإسلام أصلاً، كإطلاق لفظ الكفار أو الوثنيين على المسلمين، وعلى ذلك فالدافع الديني واضح عند البابا، ولا شك أنه واضح أيضًا عند بعض القساوسة والرهبان، كما أنه واضح أيضًا عند بعض الأمراء والقوَّاد. وفوق كل ذلك فالهدف الديني هو الهدف المعلن للحملة، وإنقاذ الدولة البيزنطية من المسلمين كان السبب المتداول بين الناس، إضافةً إلى ادِّعاء البابا أن المسلمين يضطهدون الحجاج المسيحيين، وإن كان واضحًا أن هذا الادِّعاء ما ذكر إلا للاستهلاك المحلي في أوربا فقط، ولتحميس الجيوش والشعوب النصرانية؛ لأنه لم يثبت أبدًا أن المسلمين اضطهدوا الحجاج النصارى، وقد ذكر أحد كبار المؤرخين الأوربيين وهو غيورغي فاسيلييف أن المسيحيين بوجه عام تمتعوا بقسط وافر من الحرية الدينية وغير الدينية في ظل الحكم الإسلامي، فلم يسمح لهم فقط بالاحتفاظ بكنائسهم القديمة؛ وإنما سمح لهم أيضًا بتشييد كنائس وأديرة جديدة، جمعوا في مكتباتها كتبًا دينية متنوعة في اللاهوت. ويقول تومبسون -وهو مؤرخ-: "إن المسيحيين الذين خضعوا لحكم السلاجقة صاروا أسعد حالاً من إخوانهم الذين عاشوا في قلب الإمبراطورية البيزنطية ذاتها؛ بل إن كلام بطريرك القدس ثيودسيوس شخصيًّا في إحدى رسائله إلى بطريرك القسطنطينية سنة (255هـ) 869م امتدح المسلمين، وأثنى على قلوبهم الرحيمة، وتسامحهم المطلق، حتى إنهم سمحوا للمسيحيين ببناء مزيد من الكنائس دون أي تدخل في شؤونهم الخاصة، وقد ذكر بطريرك القدس في رسالة حقيقة مهمة حين قال: "إن المسلمين قوم عادلون، ونحن لا نلقى منهم أي أذى أو تعنت. هذه الكلمات والشهادات وغيرها تثبت -بما لا يدع مجالاً للشك- أن كلام البابا أوربان الثاني عن اضطهاد المسلمين للحجاج المسيحيين ما هو إلا فِرْية لا أصل لها، وتغطية مكشوفة على الدوافع الحقيقية وراء هذه الحملة العنيفة. وفوق هذا فإننا لم نَرَ في سلوك المحاربين في هذه المعارك -سواء أفي رحلتهم إلى بيت المقدس أم في أثناء حروبهم- أيَّ علامات للزهد أو الورع الذي يتصف به المتدينون؛ بل كانوا في غاية السفاهة والحمق، وبلغوا الذروة في الشر والإجرام؛ بل إنهم لم يتصفوا بذلك فقط عند تعاملهم مع المسلمين، بل كذلك عند تعاملهم مع النصارى الشرقيين، إذن كان الباعث الديني موجودًا، ولكنه ليس هو الدافع الوحيد؛ بل لا ينبغي أن يُضخَّم كثيرًا؛ فعموم الحملة الصليبية لم يكن يعنيهم الدين لا من قريب ولا من بعيد، وإن كانوا جميعًا يضعون شارة الصليب على أكتافهم، ويدَّعون أنهم يريدون المغفرة!! ثانيًا: الباعث الاقتصادي وهذا الباعث أيضًا من أهم البواعث في هذه الحملة الصليبية، فالجموع الهائلة من العامة خرجت لإحباطها التام من الحصول على أي قسط من رغد الحياة في أوربا، فخرجوا يبحثون عنها في فلسطين، وهم لن يخسروا شيئًا؛ فحتى الموت أفضل من حالتهم البائسة تحت نير الإقطاعيين، والملوك والأمراء الإقطاعيون ما خرجوا إلا بغية الثراء والتملك، وقد كانت الحرب في فلسطين فرصة للكثيرين من أمراء أوربا لتحقيق طموحات استحال عليهم تحقيقها في أوربا؛ لأن القانون الأوربي آنذاك كان يمنع تقسيم الميراث على كل الأبناء؛ بل كانت تنتقل الإقطاعية بكاملها إلى الابن الأكبر بعد وفاة الأب الأمير، وذلك حتى لا تتفتت الثروة وتقلُّ الأرض؛ وبالتالي تسقط الهيبة والكلمة. وهذا الوضع خلق جيلاً من الأمراء لا أمل عندهم في التملُّك، فلما فتحت أمامهم أبواب الحرب في فلسطين سارعوا جميعًا للحصول على أي ملكية؛ لينافسوا بذلك إخوانهم الكبار. وكان هذا الباعث الاقتصادي واضحًا أيضًا عند تجَّار الموانئ الإيطالية، وأشهرها البندقية وبيزا وجنوة، وكذلك تجَّار مرسيليا الفرنسية، وغيرهم من تجار أوربا؛ فقد رأى هؤلاء التجار أن الفرصة سانحة لتحقيق المصالح الذاتية لهم، ولو على حساب البابوية والكنيسة، وكان تبادل المصالح واضحًا جدًّا بينهم وبين الكنيسة، فالصليبيون لن يستطيعوا الاستغناء أبدًا عن معونة الأساطيل البحرية، والتجار سوف يأخذون مقابلاً سخيًّا نظير هذه المعونة، وهذا المقابل كان عبارة عن امتيازات خاصة تُعطَى للجمهورية التي تساهم في هذه الحروب المتواصلة، ولم تكن الامتيازات تشمل فقط حرية التجارة في البلاد المفتوحة، بل كانوا يُعْطَون في كل مدينة تُفتح شارعًا وسوقًا وفندقًا به حمام ومخبزًا خاصًّا، وكان التنافس بين الجمهوريات الإيطالية في هذا المجال كبيرًا جدًّا، بل كان التصارع والتقاتل، وما لبثت مرسيليا أن سارت على نهجهم، وتنافست معهم، وأخذت امتيازات قوية في بيت المقدس ذاته. ولا يخفى على أحد أن النوايا الدينية لم تشغل أبدًا أذهان هؤلاء التجار الجشعين، وكانت كنوز الشرق وأراضيه هي الباعث الأكبر لهم على بذل كل الجهد لإنجاح الحملة الصليبية. ثالثًا: الباعث السياسي وهذا الباعث الذي يهدف إلى توسيع النفوذ وقهر المنافسين، كان باعثًا رئيسا عند البابا أوربان الثاني شخصيًّا، وكذلك عند ملوك أوربا، وهؤلاء الملوك لم يكن طموحهم يقف عند شيء، وكانت قوة كل ملك فيهم ترتبط بالمساحة التي يسيطر عليها، وهذا دفعهم بعد ذلك للمشاركة بقوة في الحملات الصليبية عندما شاهدوا النجاحات التي حققتها الحملة الأولى. كما أن ملوك أوربا كانوا يرون أن الدولة البيزنطية دخلت طورًا واضحًا من أطوار الضعف، ولو سقطت فإن هذا يعني فتح الباب الشرقي لأوربا لقوات المسلمين العسكرية؛ سواء أمن السلاجقة أم من غيرهم، وهذا قد يضعهم بين فكي كماشة، أي المسلمين القادمين من الشرق والمسلمين في أرض الأندلس؛ لذلك رأينا أنه برغم التباطُؤ الذي رأيناه من الملوك في بداية الحملات إلا أنهم تسارعوا بعد ذلك للمشاركة، بل ذهب بعضهم بنفسه إلى أرض فلسطين أو مصر على قيادة جيوشه. رابعًا: الباعث الاجتماعي لقد كانت الحالةُ التي يعيشها الفلاحون والعبيد في أوربا مزرية؛ ففضلاً عن قلة الأقوات وانعدام الطعام والشراب؛ كانت المعاملة في غاية السوء، ولم يكن لهم حقوق بالمرَّة، بل كانوا يباعون مع الأرض، ولا يسمح لهم بأي نوع من الملكية، والإنسان قد يصبر على الجوع أحيانًا لكن الامتهان النفسي والأذى المعنوي قد يكون أشد ألمًا من الجوع والعطش؛ ولذلك رأى العوام الفلاحون في أوربا أن هذه فرصة لتغيير نظام حياتهم، والخروج المحتمل من قيود العبودية المذلَّة؛ ولذلك خرج الفلاحون بنسائهم وأولادهم، وحملوا معهم متاعهم القليل البسيط، لقد كان خروجًا بلا عودة، وتغييرًا كاملاً للأوضاع، وثورة حقيقية على حياة التعاسة والاستغلال؛ لذلك وجدنا هذه الجموع البائسة ما صبرت حتى تكتمل الجيوش وتنتظم، بل خرجت بمفردها مسرعة، وكأنها تهرب من أسرٍ طويل! ولقد شارك هؤلاء البائسين فريقٌ آخر من المجرمين والخارجين على القانون الذين كانوا يعانون أحكامًا قضائية أو مهددين بذلك، وقد وجدوا الخروج ليس فرصة للنجاة من الأحكام وحسب، ولكنه فرصة أيضًا لمزاولة السلب والنهب والقتل والاغتصاب كما اعتادوا ذلك في حياتهم؛ وهذا سيعطي الحملات الصليبية صبغة إجرامية لا يمكن تجاهلها أبدًا. كانت هذه هي البواعث التي من أجلها تحركت أوربا لغزو العالم الإسلامي، والسيطرة على أرضه ومقدراته وشعوبه. تنويه واجب: لم تعرف الحروب الصليبية بهذا الاسم إلا فى القرن الثامن عشر الميلادي وما بعده، وكان الجميع يطلق على الحروب الصليبية أسماء أخرى مثل: الحملة، أو رحلة الحجاج، أو الرحلة للأراضي المقدسة، أو الحرب المقدسة. أما لماذا اشتهر هذا الاسم؛ فلكونه يحمل معنى الحرب النبيلة، ويُوحِي بالشجاعة والتضحية، ويعبِّر عن الفداء الذي يحبه النصارى، وهي جميعًا صفات لم توجد البتَّة في هذه الحروب؛ بل كانت حروبًا تجسِّد كل معاني القسوة والعنف والظلم والإجرام، ولكن الانطباع العام عند الأوربيين والأمريكان أنها كانت حربا نبيلة تهدف إلى غايات سامية. المطلب الثانى: حالة المسلمين وقت قيام الحروب وكيف تصدوا لها. لقد كان الشرق العربي فى هذ الآونة يرزح تحت نار الخلافات والجري وراء الهوى والملذات، وغلبت على النفوس الأطماع والشهوات، وتملك حب الدنيا من الشعوب والسادات. نعم الكل سواء، غلبت الدنيا عليهم جميعا وإن كان بمقدار، فليس السيد كالفقير، وليس الوزير كالأمير، ولكن تساووا جميعا فى التطلع إلى الدنيا، وكادت الخلافات تعصف بالأمة، لولا أن الله عز وجل يقيد لهذه الأمة من يوقظها من غفوتها فى كل حين. كان كل أمير أو ملك يريد أن يسيطر على كل الأمور والبلدان ليتسنى له ما يشاء ويفعل ما يريد وقتما شاء. فوجدنا الحروب تستعر بين المسلمين على أتفه الأسباب وبدون أسباب، وجدنا الأخ يدبر لقتل أخيه من أجل عرض من الدنيا زائل، وكان هذا هو الباب الأول الذى نفذ منه أعداء الإسلام وحاولوا تفتيت البلاد وتشريد العباد، والباب الثانى كان خيانة بعض أبناء الإسلام، وإن شئت قل الخونة المنافقين الذين يتسترون بستار الدين وهو منهم براء، وما أكثرهم فى كل عصر ومصر. إلى أن قيد الله لهذه الأمة قادة حق، وفرسان عدل وشهامة، حملوا راية الدين على أعناقهم وحفروها فى قلوبهم، وضحوا من أجل إعلائها خفاقة فى سماء الدنيا، من غير مصلحة ولا رياء ولا متاع زائل. إنهم تربوا على معاني الإسلام العظيمة من خلق، وشجاعة، ومروءة، وإقدام، وقبل هذا إخلاص لله لا نظير له، لقد قيد الله للأمة قادة عظاما من أمثال عماد الدين زنكي، ونور الدين محمود، لقد كانت ولاية عماد الدّين إيذانا بمرحلة جديدة في الصّراع مع الغزاة؛ فقد جعل جل جهده تحقيق هدفين كبيرين هما: توحيد البلاد الإسلامية في الشّام والجزيرة والموصل، ومواجهة الصّليبيّين اعتماداً على قاعدة عسكرية وبشريّة واسعة النّطاق. وقد تمكّن عماد الدين بعد جهود مكثفة من توحيد البلاد الإسلامية في الجزيرة، ثمّ عبر الفرات وملك حلب وماجاورها، وبعد ذلك تطلّع إلى دمشق وحاصرها ثلاث مرّات، بيد أنّه لم ينجح في أخذه. وفي هذه الأثناء كان عماد الدّين ينازل الصّليبيّين، ويشنّ عليهم الغارات، وتمكنّ في سنة 539/1144 من توجيه ضربة قاصمة إليهم؛ حيث اسْتَوْلى على الرّها مطيحاً بأولى ممالكهم. وفي سنة 569/1174 استُشهد عماد الدين وهو محاصر قلعة جعبر، فخلفه ابنه نور الدّين الّذي سار على درب أبيه في توحيد البلاد الإسلامّية في الشام والجزيرة. غير أنّ نور الدّين ارتأى أنّ قوّة المسلمين لا تكتمل إلاّ بتوحيد مصر والشام تحت قيادة واحدة، فيتجاذب القطران الغزاة على العدوّ؛ مصر بعسكري برّه وبحره، ونور الدّين من جانب سهل الشام ووعره، لذا أرسل نور الدّين إلى مصر عدّة حملات تمكنّ في الأخيرة منها من إسقاط الدّولة الفاطّمية، وضمّ مصر والشام في كيان سياسيّ واحد. وكان نور الدّين؛ وهو يبذل هذه الجهود الوحدويّة؛ ما يني يقارع الصّليبيّين، مستعيداً منهم كثيراً من القلاع والحصون. وفي سنة 569/1174 توفي نور الدّين؛ فاضطربت بلاد الشّام اضطراباً شديداً؛ فتطلّع صلاح الدّين إلى ملكها، وأرسل إلى الخليفة العباسيّ ببغداد رسالة يسأله فيها تقليداً جامعاً بكلّ ما تشتمل عليه بلاد نور الدّين، موضّحاً له أنّ "المراد هو كلّ ما يقّوي الدولة... ويفتح البلاد"، وأنّه لا يتمكنّ من الصّليبيّين وهو في مصر لـ "بُعد المسافة، وانقطاع العمارة، وكلال الدوابّ. بذل صلاح الدّين الجهد في إقامة قانون الجهاد؛ فنازل الصّليبيّين في غير ما موقعة، وأخذ يصول ويجول بجنده على الإفرنج حتّى دوّخ بلادهم وتمكّن في مدّة وجيزة من أن يحرّر معظم البلاد الإسلاميّة منهم، وعلى رأسها بيت المقدس سنة ( 583/ 1187م). ولا ننسى دور العلماء المخلصين الذين دعوا إلى الجهاد، وأيقظوا الأمة الإسلامية من ظلمات الجهل، وشاركوا في الحروب، وكذلك الشعراء الذين شاركوا بقصائدهم المؤثرة في تلك الحروب، وكان من نتاج ذلك ما عرف بأدب الحروب الصليبية، وهو أدب ملتزم مؤثر، ويعتبر في جملته من الشعر الحماسي الذي يبعث الهمم ويدعو إلى الجهاد والقتال. الفصل الثانى: أبرز الشعراء الذين كتبوا فى شعر الجهاد ومواكبة الشعر لأحداث الصراع لقد كان المؤرّخ ابن العظيميّ من أوائل الّذين قاموا بالتّحريض على الجهاد، فأثار حماسة نجم الدّين إيلغازي بن أُرتُق لخوض معركة ضدّ الصّليبيّين عند البلاط (قرب حلب)، عُرفت باسم "ساحة الدّم " وذلك سنة (513/1119) فهو يقول قبيل المعركة: ألا أبلغ طغاة الشرك أنك آخذ بثاراتنا منهم عليها فزائد فهو يسمّي قادة الصّليبيّين "طغاة الشرك"، وهو وإن كان يبرز جانب الثأر في هذه القصيدة؛ فإنّه في قصيدة ثانية قالها ابتهاجاً بالنصر الذي أحرزه إيلغازي؛ حيث يتحدّث عن ابتهاج القرآن نفسه بذلك النصر: واستبشرالقرآن حين نصرته وبكى لفقد رجاله الإنجيل بعد هذه المرحلة يبدأ نجم عماد الدّين زَنكي بالبزوغ؛ إذ يصبح محوراً لما يلي من انتصارات وما يتّصل به من قصائد، فهو حين يعين صاحب شيزر (سنة532/1138) ويدفع الروم عنها؛ ينبري محمود بن نعمة الشيزريّ لتمجيد ذلك النصر بقصيدة أثبتها ابنه في كتاب "جمهرة الإسلام ذات النّثر والنظام"، يقول فيها: سحبنا ذيول الفاخرين على الشهب فمن ذا يناوينا من العجم والعرب وعند هذه المرحلة يأخذ الشعراء بالتباري في تسجيل أعمال عماد الدّين زَنكي وانتصاراته، وكأنّهم وجدوا فيه "الرمّز" الّذي ينشدونه لحماية الإسلام والذّبّ عنه، فيظهر على مسرح الأحداث عدّة شعراء من أبرزهم ابن قَسيم الحمويّ، وابن القيسرانيّ، وابن منير الطّرابلسيّ، وغيرهم الكثير. ولعلّ صورة تلك الانتصارت المتتالية أوضح ما تكون فيما وصلنا من شعر ابن القيسرانيّ وابن منير، فهما الشاعران المتنافسان في الحياة العامّة وفي تخليد الانتصارات على حدّ سواء، ولكلّ منهما قصيدة في فتح حصن بارين (534 /1139)، أمّا قصيدة ابن القيسرانيّ فمطلعها: حذار منا وأنى ينفع الحذر وهي الصوارم لا تبقى ولا تذر وأمّا قصيدة ابن منير فمطلعها: فدتك الملوك وأيامها ودام لنقضك إبرامها وكانت نقطة التحول في انتصارات عماد الدين هى فتح الرُّها (539/1144)، ولا ريب في أنّ فتح الرُّها استثار كثيراً من الشعراء، في مقدّمتهم شعر لابن القيسرانيّ وابن منير؛ فمن قصائد ابن القيسرانيّ في هذه الحادثة: هو السيف لا يغنيك إلا جلاده وهل طوق الأملاك إلا نجاده ولابن منير فيها قصائد كثيرة منها قوله: صفات مجدك لفظ جل معناه فلا استرد الذى أعطاكه الله وفي عهد نورالدّين (541-569/1146-1174) تتوالى الانتصارات وبعض الانتكاسات، ويكون أوّل انتصار استعادة الرّها (541/1146) بعد أن استردّها الفرنجة إثر مقتل عماد الدّين الشّهيد، وفي السنة الّتي تليها كانت منطقة حوران هي مجال عمليّات نور الدّين، فاستعاد صرخد وبصرى، كما استعاد العُرَيْمَة وحصن بَارَة وبَصْرَفُوث(بَسَرْفود) وكَفر لاثا من أعمال حلب، وتابع تحرّكاته في منطقة أنطاكية (543/1148)، فاستنقذ باسوطا وهاب، ويقف ابن القيسرانيّ وابن منير ليتحدّثا عن استعادة الرّها، الأوّل في قصيدته: أما آن أن يزهق الباطل وأن ينجز العدة الماطل وأمّا قصيدة ابن منير فهي: ملك ما أذل بالفتح أرضا قط إلا أعزها إغلاقه وقد تحدّث ابن منير عن الانتصارات المتوالية في منطقة حوران وحلب وأنطاكية في قصيدة مطلعها: غدا الدين باسمك سامي العلم أمين العماد مكين القدم هؤلاء فقط من شعراء الجهاد فى الشام، وظهر غيرهم الكثير والكثير فى بلاد الإسلام على طولها وعرضها لا يسمح المجال بذكرهم طلبا للاختصار، وعدم الإطالة والخروج عن المقصود من هذا البحث؛ وهو أهم السمات والخصائص الشعرية فى هذا العصر. الفصل الثالث: شعر الجهاد المطلب الأول: أغراض الشعر في عهد الحروب الصليبية لن نتحدث عن الأغراض العامة للشعر، وإنما سنتحدث عَمَّا له علاقة بالجهاد والحرب في ذلك العصر. 1 - الدعوة إلى الجـهاد لقد قام الشعر بدور فعال في الدعوة إلى الجهاد، وتحميس الجيوش، ورفع الروح المعنوية للمقاتلين. ولعل الدعوة إلى الجهاد هي لب الشعر في هذه الفترة، والمنطلق الذي اتخذه الشعراء بابا لكل المعاني والأفكار التي عالجوها في شعرهم. وتتمثل الدعوة إلى الجهاد في مظاهر مختلفة؛ منها التذكير بحروب المسلمين السالفة وما أبلاه المجاهدون فيها من بلاء حسن، وكذلك في مدح القادة العظام الذين خاضوا المعارك ضد الصليبيين، وفي تثبيت المجاهدين ودعوتهم إلى الاستبسال في القتال، وفي حث الذين لم يشاركوا على المشاركة واغتنام الفرصة وكسب الأجر العظيم في الجهاد. 2 - وصف المعارك الحربية وهذا الغرض أيضا مما أبدع فيه شعراء ذلك العصر؛ فقد رسموا صوراً شعرية نابضة بالحركة والحياة للمعارك الفاصلة التي خاضها المسلمون ضد الصليبيين المعتدين. ونجد ذلك واضحاً في وصف المعارك الكبيرة كمعركة حطين ومعركة فتح بيت المقدس، وحصار عكا وأسر لويس التاسع في دمياط. وقد تبع وصف المعارك وصف أدوات القتال؛ فكانت القصائد التي تصف الخيل وأدوات الحصار والمعارك البحرية وغيرها، وكذلك وصف المعارك الفاصلة وتطاحن الجيوش ومنظر الأسرى، ووصف الخطط الحربية ووسائل الدفاع والهجوم. 3 - المديــح شعر المديح في هذه الفترة يمتاز بأنه مديح صادق، فيه تمجيد للبطولة والأبطال، وبيان للصفات التي يتحلون بها. ولم يكن الدافع إليه في الغالب طلب المال والعطاء، وإنما الإِعجاب بالبطولة. وما قيل في مديح عماد الدين ونور الدين وصلاح الدين يدل على أن الشعر وإن كان مديحًا إلا أنه مديح نابع من القلب، يهدف إلى إبراز الممدوح في صورة المدافع عن المسلمين، الساعي إلى استرداد بلادهم ودحر الصليبيين المعتدين. ولعل أعظم المديح شأناً في هذا العصر ما قيل في صلاح الدين الأيوبي بعد أن استرد القدس الشريف؛ فقد تبارى الشعراء في مدحه والثناء عليه وبيان صفاته الحميدة وسعيه الدؤوب في سبيل الإِسلام. 4 - الرثــاء والرثاء هنا مثل المديح؛ فهو تمجيد للبطولة وبيان للصفات الحميدة في الراحل العظيم، ولوعة وحرقة على فقد الأبطال الذين قاوموا الصليبيين، وصمدوا في القتال، وصدقوا ما عاهدوا الله عليه. وأكثر شعر الرثاء حرقة ولوعة وأسى ما قيل في رثاء نور الدين محمود وصلاح الدين الأيوبي. ولم يكن الرثاء مقصوراً على الأشخاص؛ بل كان هناك رثاء للمدن الإِسلامية التي سقطت في يد الصليبيين، وبيان لما أصابها من دمار وتخريب. ولعل من أشد ما وقع على المسلمين من البلاء استيلاء الصليبيين على بيت المقدس، وهنا تحركت كوامن الشعراء، فقالوا شعرا يقطر أسى ولوعة، ويفيض عبرة، ويدعو إلى أخذ الثأر واسترداد المدينة، وقد أتم الله ذلك على يد صلاح الدين. 5 - الهجــاء والهجاء هنا يخدم الجهاد ومقاومة الصليبيين؛ فهو إما هجاء للمتعاونين مع الأعداء أو المتخاذلين عن القتال، أو هجاء للأعداء من الصليبيين. ويلاحظ في هجاء الصليبيين أن الشعراء كانوا ينظرون إليهم على أنهم قوم متخلفون لا يعرفون إلا الغدر والخيانة، كما يُلحظ في هجائهم شيء من الجدل الديني يبرز فيه الشعراء محاسن الإِسلام وتخريفات الصليبيين وانحرافهم عن الدين الصحيح. 6 - أغراض أخرى ذكرنا في الأغراض السابقة ما له علاقة مباشرة بالحروب الصليبية، وقد كانت هناك أغراض أخرى، وهي الأغراض العامة للشعر في كل عصر كالوصف والغزل والإِخوانيات. ويلاحظ أن هذه الأغراض وإن كانت بعيدة عن الصراع بين المسلمين والصليبيين إلا أنها قد تأثرت بالجو العام الذي كانت تعيش فيه بلاد الشام ومصر زمن الحروب الصليبية. المطلب الثاني: خصائص شعر الحروب الصليبية برزت في شعر هذه الفترة بعض السمات العامة التي تميزه عن غيره، ويرى الدارسون للأدب أنها ناتجة عن الحروب الصليبية والصراع بين المسلمين وأعدائهم. وأبرز تلك السمات والخصائص باختصار: 1- طول القصائد، وبروز ما يشبه الملاحم. ولعل ذلك ناتج عن جسامة الأحداث وأهوالها، ورغبة الشعراء في استيفاء الموضوع بكل دقة وتفصيل، ولذلك كانت حصيلة الشعر في هذه الفترة غزيرة وافرة. 2- هذا الشعر سجل حافل للأحداث التي مرت بالأمة الإِسلامية؛ ففيه حديث مفصل عن النكبات وعن الانتصارات، ولذا فهو مرجع تاريخي مهم لدراسة العصر، ومن مجموعه نستطيع ترتيب ملحمة شعرية خالدة تصور هذا العصر بكل دقة وجلاء. 3- بروز روح الجهاد والقوة والمعاني الإِسلامية فيه، مما جعله متميزاً بين عصور الأدب العربي. 4- كثرة عدد الشعراء؛ لأن الشعر لم يعد قاصراً على شعراء المديح المحترفين، وإنما هو تعبير عن روح الجهاد، فبرزت قصائد رائعة لكنها لشعراء مجهولين. 5- سلاسة العبارة، وخلوه من الغرابة والتعقيد، واتسامه بالوضوح، مع كثرة التشبيهات والاستعارات والكنايات. وهذا الحكم في الغالب، وإلا فهناك شعر فيه غرابة وتعقيد. 6- التجديد في معاني الشعر وأخيلته، وكذلك دخول بعض الألفاظ الإِفرنجية في الشعر نتيجة للاحتكاك بالصليبيين. قال أبو علي الحسن بن علي الجويني في فتح بيت المقدس على يد البطل الخالد صلاح الدين الأيوبي: جُنْدُ السـماءِ لهذا المُلْكِ أعـوانُ من شَكَّ فيهم فهذا الفتحُ بُرْهَانُ متى رأى الناسُ ما تَحْكِيه من زَمَنٍ وقد مضتْ قَبْلُ أزمانٌ وأزمـانُ هذي الفتُـوحُ فُتوحُ الأنبيـاء وما لهـا سوى الشُّكْرِ بالأفْعَالِ أَثْمَانُ تسعون عاماً بــلادُ الله تَصْرُخُ والْـ إسـلام أَنْصَارُهُ صُمٌّ و عُمْيَـانُ فالآن لَبَّى صلاحُ الــدين دَعْوَتهُمْ بأَمْرِ مَنْ هـو للمِعْوَانِ مِعْـوَانُ للناصر ادُّخِرَتْ هذي الفــتوحُ وما سَمَتْ لها هِمَمُ الأملاكِ مُذْ كانوا حَبَاهُ ذو العرش بالنــصر العزيز فَقَا لَ الناس دَاودُ هذا أَمْ سُـليمان؟ في نصْفِ شَهْرٍ غَدَا للشرك مصَطلما فَطُهِّرَتْ منه أقــطار وبـلدانٌ لو أنَّ ذا الفتح في عهــد النبي لقد تَنَزَّ لَتْ فيه آيــات وقــرآن .

عرض المزيد
إصدارات إخري للكاتب
الملكية الفكرية محفوظة للكاتب المذكور
بلّغ عن الكتاب