كتاب مماحكات التأويل في مناقضات الإنجيل
تحميل كتاب مماحكات التأويل في مناقضات الإنجيل pdf 2003م - 1443هـ الإنجيل كلمة معربة من (اليونانية: εὐαγγέλιον، ايوانجيليون) وتعني البشارة السارة أو البشرى السارة أو بشرى الخلاص. تعني لدى المسيحيين بالمفهوم الروحي البشارة بمجيء يسوع الذي هو المسيح وتقديم نفسه ذبيحة فداء على الصليب نيابة عن الجنس البشري ثم دفنه في القبر وقيامته في اليوم الثالث كما جاء في كتب النبوات في العهد القديم. قد يُقصد بها مجازاً، عند المسيحيين وغيرهم، الكتب الأربعة الأولى في كتاب العهد الجديد والتي نسبت إلى كل من متى ومرقس ولوقا ويوحنا، ويؤمن المسيحيون بأن هذه الأربعة كتبت بوحي من الروح القدس وليست من تأليف بشري كما جاء في رسالة بولس الرسول الثانية إلى تيموثاوس. بعد عام 150 مست الحاجة في الكنيسة إلى قاعدة شاملة تنظم المؤلفات الدينية حول يسوع، تمهيداً لإدراجها ضمن قانون الكتاب المقدس، فكان المعيار المتبع صحة نسبتها إلى الرسل، وبرزت الأناجيل الأربعة نظراً لصحة نسبها إلى الرسل من وجهة نظر الكنيسة ومن ناحية ولما تحلّت به صفات تتطابق مع التقليد الشفهي، وذلك بعد نقاشات طويلة حول صحة نسبتها، إذ لم ينته ضم جميع الأسفار حتى نهاية القرن الثالث وبداية القرن الرابع. أما تلك الكتب التي لم يثبت صحة نسبتها، فقدت تدريجيّاً حظوتها في الكنيسة ولدى المسيحيين كأسفار مقدسة. أما تأليف أسفار العهد الجديد، وضمها في بوتقة واحدة، فهو نتيجة تطور طويل معقد، إذ يظهر العهد الجديد كمجموعة مؤلفة من سبعة وعشرين سِفراً مختلفة الحجم، وضعت جميعها باللغة اليونانية أواخر القرن الأول؛ إن السلطة العليا في أمور الدين كانت تتمثل لدى المسيحيين الأولين في مرجعين، العهد القديم، والمرجع الثاني الذي انتشر انتشاراً سريعاً وقد أجمعوا على تسميته الرب، ويشمل هذا المرجع على التعاليم التي ألقاها يسوع والأحداث التي تبين سلطته؛ أما أقوال يسوع وما كان يعظ به فقد تناقلتها ألسن الحفاظ شفهيّاً، وربما وجدت بعض الوثائق المكتوبة لروايتي الصلب والقيامة أو بعض الأحداث الهامة الأخرى؛ ولم يشعر المسيحيون الأولون، إلا بعد وفاة آخر الرسل بضرورة تدوين التقليد الشفهي، فبدؤوا قرابة العام 120 بإنشاء العهد الجديد، مبتدئين بأسفار بولس نظراً لما كان له من شهرة ولأنه أوصى بقراءة رسائله بنفسه، وتشير كتابات آباء كنيسة القرن الثاني إلى أنهم يعرفون عدداً كبيراً من رسائل بولس وأنهم يولونها مكانة الكتب المقدسة، أيضاً فإن أقدم الإشارات التاريخية تعود للعام 140 تثبت أن المسيحيين يقرأون الأناجيل في اجتماعات الأحد وأنهم يعدونها مؤلفات الرسل أو أقله شخصيات تتصل بالرسل بشكل وثيق، وأنهم أخذوا يولونها منزلة الكتاب المقدس. تمت كتابة الأناجيل الأربعة القانونية -متى ومرقس ولوقا ويوحنا- بين أعوام 70 و100 م تقريبا، وهي المصدر الرئيسي للمعلومات عن حياة يسوع. مؤلف كل من هذه الأناجيل الأربعة مجهول (تمت إضافة الأسماء الحالية لها في القرن الثاني)، ومن المؤكد تقريبا أن أيا منها لم يكتبه شاهد عيان على حياة يسوع. وبالتالي، فإن العلماء المعاصرين يتوخون الحذر من الاعتماد عليهم بشكل لا يقبل الشك، ولكن من خلال الدراسة النقدية يمكن محاولة التمييز بين الأفكار الأصلية ليسوع وتلك الخاصة بالمؤلفين اللاحقين. تمت كتابة العديد من الأناجيل غير القانونية أيضاً، كل منها في وقت متأخر عن الأربعة، وجميعهم -مثلهم في ذلك مثل الأربعة القانونيين- يعرضون الآراء اللاهوتية الخاصة بمؤلفيهم. جاء في مقدمة الكتاب الآتي: "هذا ، ولما كان الخلاف والتخليط فى الرواية ، والتقديم والتأخير فى تأريخ الوقائع ، وتوقيت الحوادث ، ممن يدعون ـ أو يُدعى لهم ـ أنهم يكتبون من وحى الله ، بمنزلة المناقضة ، أشرت إلى ما عثرت عليه من ذلك بعض الإشارة ، ليدرجه اللبيب فى ضمن الغرض الذى قصدناه ، والموضوع الذى نحوناه ، وليعلم أن دعوى النصارى بكون هذه الأسفار الموجودة الآن بأيديهم وحيًا ، داحضة فارغة ، وأن مؤلف هذا الإنجيل لم يكن مشاهدًا بمرأى العين ما نقله ، وإنما قلد فى ذلك بعض الرواة فى عصره مجازفة ، وكذا غيره من غيرهم ، وأنه إذا بطلت الدعوى بعصمة متى عن الغلط فيما نقله عن عيسى ، أو أخبر به عنه ، لم يبق معذرة لغيره . ثم إنه ما عاد التناقض الذى وقع بين هؤلاء الأربعة ، فثم مناقضات عديدة بينهم وبين سائر المؤلفين من الرسل الحواريين ، كبطرس وبولس وغيرهما ، وبينهم أيضًا وبين أسفار اليهود ، التى استشهدوا منها بما عنّ لهم وراق تأييدًا لدعواهم ، بل تراها أيضًا فى كلام كل منهم مكذبًا بها نفسه ، أو مفسدًا عقيدته. وذلك كقول لوقا : 9 : 54 حكاية عن عيسى أنه قال لتلميذيه يعقوب ويوحنا ، وقد استأذناه فى أن يأمر فتنزل نار من السماء ، فتحرق أهل قرية فى السامرة ، لعدم إضافتهم إياهما : ( إنكما لا تعلمان من أى روح أنتما ؟ لأن ابن الإنسان لم يأت لإهلاك نفوس الناس بل لخلاصها ) . ثم لم يلبث أن قال فى 2 : 49 حكاية عن عيسى أيضًا أنه قال : ( إنما جئت لأبعث نارًا على الأرض ، وماذا يريد إن هى قد اضطرمت ) أى وماذا أريد إلا أن تضطرم .. إلى أن قال : ( أتظنون أنى جئت لألقى سلمًا على الأرض ؟ لا ، إنى أقول لكم ، لكن شقاقــًا ) . وكقول يوحنا فى الفصل الأول : ( الله لم يره أحد قط ) . ثم قال فى 14 : 9 حكاية عن عيسى أنه قال ( من رآنى فقد رأى الآب ) . إلا أنا أضربنا عن استيفاء هذا النوع من التناقض ؛ ثقة بأن ما نورده من النوع الأول كافٍ فى إثبات الحجة على الخصم ، وفى إفحامه عن الجواب . ومما يعد أيضًا من التناقض : سكوت بعض هؤلاء المؤرخين عما ذكره من معجزات عيسى الباهرة ، فإن متى ومرقس ولوقا لم يذكروا معجزة تحويل الماء خمرًا ، مع أنها كانت أولى معجزاته ، وبها ظهر مجده ، وآمنت به تلاميذه ، على ما ذكره يوحنا فى الفصل الثانى . وكذلك قضية بعث العازر من الموت ، وقد كان مضى عليه أربعة أيام ، ولو لم يكن هذا الأمر غريبًا خارقــًا للعادة ، لما كان يوحنا أطال فيه الكلام . على أن لوقا كان متتبعًا لجميع الأمور التى فعلها عيسى كما يعلم فى أول إنجيله ، وعبارته : ( رأيت أنا أيضًا إذ كنت تابعًا لكل شىء ، أن أكتب إليك أيها العزيز تاوفيلوس ، لتعرف حقائق الأمور التى وعظت بها ) . ومن أول سفر الأبركسيس حيث قال : ( إن الكتاب الأول قد أنشأته يا تاوفيلوس فى جميع ما ابتدأ عيسى أن يعلمه ويعلم به معًا إلى يوم ارتفاعه ) اهـ. وكذا قضية ماء البركة ، الذى كان يشفى أول نازل فيه عند تحريك الملك له ، وغسل عيسى أقدام تلاميذه ، وأمره لهم بالاقتداء به فى ذلك . كل ذلك تفرد بذكره يوحنا . وقد تفرد متى بذكر خروج الموتى من أجداثهم عند موت عيسى ، وظهورهم لأناس كثيرين فى المدينة ، وهو أعجب من حل الجحش الذى تواطأوا على ذكره ! .. وكذا ظهور النجم للمجوس ، وسيره معهم حتى بلغوا إلى أورشليم ، وهو أعجب وأغرب من جولان التلاميذ مع مريم المجدلانية وغيرها من النساء اللائى كن يصاحبن عيسى ورسله وينفقن عليه ! وكثيرًا ما ترى أحد هؤلاء المؤرخين يذكر مثلاً عقيدة دينية ، أو أمرًا مهمًا ، أو حكمًا إلهيًا عن عيسى ، ولا يذكره غيره ، أو يذكر حديثــًا ثم ينتقل إلى غيره من دون علاقة ، ثم ترى تتمة ذلك الحديث قد أوردها غيره من دون إيراد أوله . فمثل هذا الخلل والتشويش لا يمكن أن يصدر عن وحى الله ، ولو أن أحد مؤلفى عصرنا هذا ارتكب مثل ذلك لما عذره عليه من الناس عاذر ! وأغرب من ذلك مواطأتهم جميعًا على إيراد ما لا ينبغى العلم به ، وذلك كركوب عيسى مثلاً سفينة وخروجه منها ، وجلوسه عند البحر ، وعبوره من شاطئ ، ودخوله بيتــًا ، ومبيته عند مريم المشار إليها ، وسيره إلى برية ، وصعوده إلى جبل ، وتنقله من مكان إلى مكان ، من دون فائدة تحصل به . وأغرب منه ما ذكره لوقا 7 : 37 من أن عيسى وتلاميذه كانوا يجولون فى القرى ومعهم نساء ، منهم مريم هذه التى كان أمرها مشهورًا بالفجور والزنى .. وأنت خبير بأنه لا يتأتى لكل واحد فى البلاد الشرقية ، وخصوصًا فى القرى ، أن يبيت وحده فى محل مخصوص ، فلا بد أن هؤلاء الأولياء كانوا يبيتون مع تلك الوليات معًا . وكذكر هذا المؤلف وغيره اقتحام هذه الفاجرة فى بيت الفريسى ، الذى كان قد أضاف عيسى ، وإفاضتها الطيب على رأسه ، وغسلها قدميه بدموعها ، وتنشيفها إياهما بشعرها ، وقد كانت وقتئذ فاحشة بغيًا مباحة .. فهل يليق الآن بأحد مطارنة النصارى ، إذا كان ضيفــًا فى بيت أحد معارفه ، أن يأذن لقحبة فاحشة فى أن تغسل رجليه بمحضر ملأ من الناس ، من غير أن تبدى أمارة التوبة من قبل ، لا سرًا ولا جهرًا ؟! وكذكر يوحنا تجرد عيسى بعد العشاء عن ثيابه ، وتحزمه بمنشفة لغسل أقدام تلاميذه ، فهذا يوهم أن عيسى وقتئذ كان قد سرت فيه الخمرة ، حتى لم يكن يدرى ما يفعل ، فإن غسل الأقدام لا يوجب التجرد عن الثياب ! وكقوله أيضًا فى 11 : 18 : إن عيسى كان يحب مريم ومرثا .. ومريم هذه هى التى دهنته بالطيب ، ومسحت قديمه بشعرها ! وكقوله أيضًا فى الفصل الثالث عشر : ( وكان أحد تلاميذه متكئــًا فى حضن عيسى ) .. وهو الذى كان عيسى يحبه ! وكقوله فى 7 : 3 بعد ذكر معجزة الخمر وإيمان التلاميذ ما نصه : ( فقالت له إخوته : انطلق من هنا وسر إلى أورشليم ، حتى ترى تلاميذك أيضــًا الأعمال التى تعملها ، إذ ليس أحد يعمل شيئــًا سرًا وهو يطلب أن يكون مشهورًا علانية ، فإن كنت تعمل هذه الأعمال فأظهر نفسك للعالم ) لأن إخوته أيضــًا لم يكونوا قد آمنوا به . فهذا يوهم أن تلك المعجزة التى ذكرها سابقــًا لم تكن علانية ، وأن عيسى كان يحاول بالحرى أن يفعل غيرها خفية ، وأن إخوته كانوا من أجل ذلك يسيئون الظن فيه .. وصاحب البيت أدرى بالذى فيه ! وكقوله أيضًا فى 10 : 20 : إن كثيرًا من اليهود كانوا يقولون عن عيسى إنه مجنون وبه شيطان . وكقول مرقس أيضًا فى 3 : 21 وذلك بعد أن ذكر ازدحام الجمع على عيسى : ( حتى إنهم لم يقدروا على الأكل ، فلما سمعت أقاربه بذلك ، خرجوا ليمسكوه ، لأنهم قالوا إنه مجنون ) . فهذا يدل على أن أقارب عيسى قد قالوا ذلك وهم يعتقدونه ، أو أنهم ادعوا بكونه مجنونـًا إنجاءً له مما تورط فيه من حشد الجمع إليه ، وتعرضه لما لم يلق به مما ظُن فيه إلمام السوء به . وأشباه ذلك لا تحصى مما ظاهره وباطنه القدح فى عيسى لا المدح . والحاصل أن جميع ما أورده هؤلاء الأربعة عن عيسى ، سواء كان أحكامًا أو مواعظ أو قصص معجزات وأحوال ، فإنما هو موهوم غير محقق ولا معين . أما الأحكام والمواعظ فإنهم لم يتفقوا على إيرادها بلفظها ، فترى أحدهم يوردها بلفظها الماضى وغيره بالماضى أو الأمر ، بالسلب ، وغيره بالإيجاب ، وغيره بصورة الاستفهام ، وآخر يوردها مرة ، وغيره يكررها مرتين وثلاثــًا . فالزعم بأن عيسى كان يكرر معنى واحدًا مرات كثيرة ، يدل على أنه كان ذا بضاعة مزجاة ، وإلا فهو غلط من الناقل . وأما قصص المعجزات والأحوال ، فإن بعضهم يذكرها فى وقت ، وغيره فى وقت آخر ، فليس لنا من ذلك كله سوى مجرد الحدس والوهم فى إمكان وقوع ما ذكروه على سبيل المجازفة ، من دون علم بكيفيته وماهيته وخصوصيته وعلاقته ، مما لا يُعفى منه أحد من المؤرخين . وأكثر ما جرى الخلاف بينهم فى قضية ميلاد عيسى ، وانبعاثه من الموت ، وارتفاعه إلى السماء ، مع أنها من أهم الأمور . أما مولده ، فقد أضرب عن ذكره كل من مرقس ويوحنا ، واختلف فيه متى ولوقا ، كما سيمر بك . وأما صعوده ، فقد سكت عنه متى ويوحنا ، واختلف فيه مرقس ولوقا . فللمعترض هنا أن يقول : لأى سبب أضرب مرقس ويوحنا عن ذكر ميلاد عيسى من دون أب ، وهو أمر خارق للعادة ؟ فإن قيل : إن ذلك كان لعلمهما أن غيرهما ذكره أو سيذكره . قلت : فلِمَ تواطأ إذن على ذكر الأمور الخسيسة ، والحوادث الأجنبية ، والكلام اللغو ؟ ولِمَ أسهبا الكلام على ذكر آلام عيسى ، وشكوى اليهود عليه ، وعلى قصة إرسال التلميذين لحل الجحش ، وغير ذلك كثير لا يحصى ؟ ويا ليت شعرى ، أى فائدة تحصل من العلم بكون (زكـّـا) طلع على الجميزة لأنه كان قصيرة القامة ؟ .. وبكون بطرس اخترط سيفه وضرب به عبد رئيس الكهنة وكان اسمه (ملخس) فقط أذنه ؟ .. وبكون اليهود سخروا رجلاً كان آتيًا من الحقل اسمه (سمعان) وهو أبو الإسكندر ، ليحمل صليب عيسى خلفه ؟" .
عرض المزيد