كتاب التصوف السلفي تصالح وتصحيح
تحميل كتاب التصوف السلفي تصالح وتصحيح pdf 2021م - 1443هـ الصوفية أو التصوف هو مذهب إسلامي، لكن وفق الرؤية الصوفية ليست مذهبًا، وإنما هو أحد مراتب الدين الثلاثة (الإسلام، الإيمان، الإحسان)، فمثلما اهتم الفقه بتعاليم شريعة الإسلام، وعلم العقيدة بالإيمان، فإن التصوف اهتم بتحقيق مقام الإحسان، مقام التربية والسلوك، مقام تربية النفس والقلب وتطهيرهما من الرذائل وتحليتهما بالفضائل، الذي هو الركن الثالث من أركان الدين الإسلامي الكامل بعد ركني الإسلام والإيمان، وقد جمعها حديث جبريل، وذكرها ابن عاشر في منظومته (المرشد المعين على الضروري من علوم الدين)، وحث أكثر على مقام الإحسان، لما له من عظيم القدر والشأن في الإسلام. قال أحمد بن عجيبة: «مقام الإسلام يُعبّر عنه بالشريعة، ومقام الإيمان بالطريقة، ومقام الإحسان بالحقيقة. فالشريعة: تكليف الظواهر. والطريقة: تصفية الضمائر. والحقيقة: شهود الحق في تجليات المظاهر. فالشريعة أن تعبده، والطريقة أن تقصده، والحقيقة أن تشهده». وقال أيضاً: «مذهب الصوفية: أن العمل إذا كان حدّه الجوارح الظاهرة يُسمى مقام الإسلام، وإذا انتقل لتصفية البواطن بالرياضة والمجاهدة يُسمى مقام الإيمان، وإذا فتح على العبد بأسرار الحقيقة يُسمى مقام الإحسان». والإحسان كما تضمنه حديث جبريل هو: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)، وهو منهج أو طريق يسلكه العبد للوصول إلى الله، أي الوصول إلى معرفته والعلم به، وذلك عن طريق الاجتهاد في العبادات واجتناب المنهيات، وتربية النفس وتطهير القلب من الأخلاق السيئة، وتحليته بالأخلاق الحسنة. وهذا المنهج يقولون أنه يستمد أصوله وفروعه من القرآن والسنة النبوية واجتهاد العلماء فيما لم يرد فيه نص، فهو علم كعلم الفقه له مذاهبه ومدارسه ومجتهديه وأئمته الذين شيدوا أركانه وقواعده - كغيره من العلوم - جيلاً بعد جيل حتى جعلوه علما سموه بـ علم التصوف، وعلم التزكية، وعلم الأخلاق، وعلم السلوك، أو علم السالكين إلى الله، فألفوا فيه الكتب الكثيرة بينوا فيها أصوله وفروعه وقواعده، ومن أشهر هذه الكتب: الحِكَم العطائية لابن عطاء الله السكندري، قواعد التصوف للشيخ أحمد زروق، وإحياء علوم الدين للإمام الغزالي، والرسالة القشيرية للإمام القشيري، والتعرف لمذهب أهل التصوف للإمام أبي بكر الكلاباذي وغيرها. ومعنى التصوف الحقيقي كان في الصدر الأول من عصر الصحابة ، فالخلفاء الأربعة كانوا صوفيين معنى، ويؤكد ذلك كتاب حلية الأولياء للحافظ أبي نعيم الأصبهاني - أحد مشاهير المحدثين - فقد بدأ كتابه الحلية بصوفية الصحابة، ثم أتبعهم بصوفية التابعين، وهكذا. انتشرت حركة التصوف في العالم الإسلامي في القرن الثالث الهجري كنزعات فردية تدعو إلى الزهد وشدة العبادة، ثم تطورت تلك النزعات بعد ذلك حتى صارت طرقا مميزة متنوعة معروفة باسم الطرق الصوفية. والتاريخ الإسلامي زاخر بعلماء مسلمين انتسبوا للتصوف مثل: الجنيد البغدادي، وأحمد الرفاعي، وعبد القادر الجيلاني، وأبو الحسن الشاذلي، وأبو مدين الغوث، ومحي الدين بن عربي، وشمس التبريزي، وجلال الدين الرومي، والنووي، والغزالي، والعز بن عبد السلام كما القادة مثل: صلاح الدين الأيوبي، ومحمد الفاتح، والأمير عبد القادر، وعمر المختار، وعز الدين القسام. نتج عن كثرة دخول غير المتعلمين والجهلة في طرق التصوف إلى عدد من الممارسات خاطئة عرّضها في بداية القرن الماضي للهجوم باعتبارها ممثلة للثقافة الدينية التي تنشر الخرافات، ثم بدأ مع منتصف القرن الماضي الهجوم من قبل المدرسة السلفية باعتبارها بدعة دخيلة على الإسلام. يقدم لنا المؤلف هذا الكتاب الموجز والهام كمقدمة في علم التصوف يعرفنا على هذا العالم الذي كثيرًا ما أثار موجات السخط والذي كتبت فيه الكثير من الرسائل والأطروحات التي تهاجمه بشدة أو التي تمدحه بشدة، والمؤلف يتناول في هذه المقدمة أبرز الأفكار الصوفية مثل مسألة المعرفة في التصوف، ومسألة التجلي، ونظرية الفيض، ومسألة الفناء، والرمزية في الفكر الصوفي، وكذلك وحدة الوجو وكل هذه الأفكار أثارت الكثير من الأخذ والرد، والمؤلف هنا يطرحها علينا بحيادية تامة وبأسلوب بسيط. هذا الكتاب يقوم على المقارنة بين مفهومي التصوف؛ في نظر السلف، وفي نظر أتباع السلفية المعاصرة الذين وصموه بكل المعايب من بدع وشرك حتى بلغوا تكفير أتباعه، وبينّا فيه أن رأس المدرسة السلفية وحجتها شيخ الإسلام ابن تيمية كان يجلُّ أئمة الصوفية ويحتج بأقوالهم ويعظم منهجهم ويشرح مفاهيمهم ويؤكد أنها على الكتاب والسنة، وحتى الشطحات كان يبرر بعضها ويتأول بعضها الآخر على وجه صحيح، كما أنه شرح كتاب «فتوح الغيب» للشيخ الصوفي عبد القادر الكيلاني، وكتاب «الرسالة القشيرية» وهو منهج في التصوف، ما يدل على أنه يعتقد بصحة هذا المنهج، وتبعه تلميذه ابن القيم لذي شرح كتاب «منازل السائرين» لشيخ الإسلام الصوفي أبي إسماعيل الهروي، في كتابه الذي أسماه «مدارج السالكين»، ما يؤكد اعتقاده صحة منهج التصوف، بل وأوردنا أدلة على أن ابن تيمية صوفي ينتسب إلى الطريقة القادرية، وناقشنا كل المآخذ التي يأخذها إخواننا السلفيون على الصوفية واستشهدنا بالقرآن الكريم والحديث الشريف، وأكثر شواهدنا كانت من كتب ابن تيمية وابن القيم، ثم أحمد بن حنبل والشافعي، ثم البيهقي وابن الجوزي وابن حجر العسقلاني والنووي والسيوطي، ثم أئمة الصوفية، فرددنا الشبهات وأقمنا الحجة على من ادعى بغير دليل... .
عرض المزيد