كتاب الإيمان شيخ الإسلام
تحميل كتاب الإيمان شيخ الإسلام pdf 1996م - 1443هـ (اعلم وفقك الله للحق: أن (الإيمان) و (الإسلام) يجتمع فيهُمـا الدين كُلـه، وقد كثُر كلام الناس في حقيقة الإيمان والإسلام، ونزاعهم واضطرابهم، وقد صنفت في ذلك مُجلدات، والنزاع فيه من حين خرجت الخوارج بين عامة الطوائف). ونحن نَذكر ما يُستفاد من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - مع ما يُستفاد من كلام الله - تعالى -، فيصل المؤمن إلى ذلك من نفس كلام الله ورسوله، فإن هذا هو المقصود، فلا نذكر اختلاف الناس ابتداء، بل نذكُر من ذلك ـ في ضمن بيان ما يُستفاد من كلام الله ورسوله خيرُ وأحسن تأويلا، وأحسن عاقبة في الدُنيـا والآخرة. القلب هـو الأصـل في الإيمـان : قال شيخ الإسلام - رحمه الله - فإن الإيمان أصله الذي في القلب، ولا بُد فيه من شيئين: تصديـق بالقلب، وإقراره ومعرفته، ويُقال لهذا: قول القلب، قال الجنيد بن مُحمد: التوحيد قول القلب، والتوكُل: عمل القلب، فلا بُد فيه من قول القلب وعملـه، ثُم قول البدن وعمله، ولا بُد فيه من عمل القلب، مثل حُب الله ورسوله، وخشية الله، وحُب ما يُحبه الله ورسوله، وبُغض ما يبغضه الله ورسوله، وإخلاص العمل لله وحده، وتوكل القلب على الله وحده، وغير ذلك من أعمال القُلوب التي أوجبها الله ورسوله وجعلها من الإيمان. ثُم القلب هو الأصل، فإذا كان فيه معرفة وإرادة سرى ذلك إلى البدن بالضرورة، لا يُمكن أن يتخلف البـدن عما يُريدُه القلب، ولهذا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: (ألا وإن في الجسد مُضغةً إذا صَلَحت صَلحَ لها سائر الجسد، وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد ألا وهي القلب ). فإذا كان القلب صالحاً بمـا فيه من الإيمان عِلماً وعملاً قلبياً، لزم ضرورة صلاح الجسد بالقول الظاهر، والعمل بالإيمان المُطلق، كما قال أهل الحديث: قولٌ باطن وظاهر، وعمل باطن وظاهر، والظاهر تابع للباطن لازم لـه، متى صلح الباطن صلح الظاهر، وإذا فسد فسد. (1ـ قول الجهم في الإيمان): قـال: ومن هُنـا يظهـر خطأ قول جهـم بن صفوان ومن اتبعه، حيث ظنوا أن الإيمان مُجرد تصديق القلب وعلمهº لم يجعلوا أعمال القلب من الإيمانº وظنوا أنه قـد يكون الإنسان مؤمناً كامل الإيمـان بقلبه، وهو مع هذا يسب الله ورسوله ويُعادي الله ورسوله، ويُعادي أولياء الله، ويُوالي أعداء الله، ويقتل الأنبيـاء ويهدم المساجد، ويهين المصاحف، ويُكرم الكُفار عاية الكرامة، ويهين المؤمنين غاية الإهانةº قالوا: وهذه كُلُها معاص لا تنافي الإيمان الذي في قلبهº بل يفعل هذا وهو في الباطن عند الله مؤمن. قالوا: وإنما ثَبتَ له في الدُنيا أحكام الكُفار، لأن هذه الأقوال أمَارةٌ على الكُفـر، ليحكم بالظاهر كما يحكم بالإقرار والشُهود، وإن كان في الباطن قد يكون بخلاف ما أقر بـه وبخلاف ما شهد بـه الشُهود. فـإذا أورد عليهم الكتـاب والسُنـة والإجمـاع، على أن الواحد من هؤلاء كافرٌ في نفس الأمر، مُعذب في الآخـرة، قالوا: فهذا دليل على انتفاء التصديق والعلم من قلبه، فالكُفر عندهُم شيء واحد، وهو الجهل، والإيمـان شيء واحـد وهـو العلم أو تكذيب القلـب وتصديقه، فإنهُـم مُتنازعون هل تصديق القلب شيء غير العلـم أم هـو هـو؟ (تكفير السلف لمرجئة الجهمية وبيان فساد قولهـم ): وهـذا قول مع أنـه أفسد قول قيـل في الإيمـان، فقـد ذهـب إليه كثير من أهل الكلام المرجئة، وقد كفر السلف ـ كوكيع بن الجراح وأحمد بن حنبل وأبي عُبيد وغيرهُم ـ من يقول بهذا القول، وقالوا: إبليس كافـر بنص القُرآن، وإنمـا كُفره باستكباره وامتنـاعه عن السُجـود لآدم، لا لكونه كَذَب خبراً، وكذلك فرعون وقومه، قال - تعالى – فيهم: (وجَحَدُوا بِهاَ واستَيقَنَتها أَنفُسُهُم ظُلماً وَعُلوًا) (النمل: 14)، وقال موسى - عليه السلام - لفرعـون، (لَقـَد عَلِمتَ مَـا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلا رَبُ السمَواَت والأَرض بَصائر) (الإسراء 102)، وبعد قوله: (ولقد آتينـا موسى تسـع آيـات بينـات فاسأل بني إسرائيل إذا جاءهُـم فقـال لـه فرعـون إني لأظُنـك يا فرعـون مسحـورا (101) قَالَ لقد عَلمتَ مَـا أَنزلَ هؤُلاء إِلا رَبُ السمـواَت والأَرض بَصَائر وإِني أظُنُكَ يا فرعَونَ مَثبُـوراً) (الإسراء: 101، 102)، فموسى وهو الصادق المصدوق يقول: (لَقـَد عَلِمتَ مَـا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلا رَبُ السمَواَت والأَرض بَصائر) فـدل على أن فرعون كان عالماً بأن الله أنزل الآيات، وهو أكبر خلق الله عناداً وبغيـاً، لفساد إرادته وقصده لا لعدم علمـه. وكذلك اليهود الذين قال الله فيهم: (الذين آتيناهُم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم) (البقرة: 146)، وكذلك من المُشركين الذين قال الله فيهم: (فإنهُم لا يُكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون) (الأنعام 33). .
عرض المزيد