كتاب دمعات وآهات
تحميل كتاب دمعات وآهات pdf كتيب يحتوي على عدة موضوعات وعظية متنوعة ويقول الكاتب قد تذرف العين.. نعم.. قد تذرف العين على فراق حبيب أو قريب، وهذا بحدِّ ذاته مؤلم.. ولكن الأشد من ذلك.. هو بكاء الإنسان على نفسه. «لنفسي من نفسي عن الناس شاغل» فيذوب القلب ألمًا وكمدًا، وتسيل المدامع حرى.. وتتفكرُ القلوب من مرارة الألم على الواقع المر... والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا الموطن هو: هل تستمر هذه الدمعات، وهذه الآهات..وهذه العبرات، والحسرات؟! أم يسعى الإنسان في تغيير واقعه المر الذي يعيش فيه..أقول: والله لن يتغير الواقع المؤلم حتى يغير الإنسان ما في نفسه، قال جل وعز: ﴿حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾.. تأملت هذا السؤال.. فكانت هذه الدمعات على الواقع المرير، والله أسأل أن يعينني وإخواني على طاعته ومرضاته، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل.. وإلى الدمعات.. دمعة على أوراق التقويم ذات يوم قلبت أوراق التقويم الهجري.. وإذا بتلك المفاجأة العظيمة.. نعم.. والله إنها لعظيمة. عام كامل من عمري مضى، وما أعلم أنه أنقضى إلا في ضياع وانحراف.. فاعتلجني شعور قلبي هزني وكأنه صاعقة عظيمة... ارتجفت أعضائي، واهتز كياني حينما علمت، أن عامًا كاملاً مضى من عمري ما تزودت فيه لقبري.. اعتصر القلب حسرةً.. وما تمالكت نفسي إلا ودمعة حرى تنحدر من على خدي؛ حزنًا على التفريط.. ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ﴾. نداء لمن تأخر عن الركب..، ولا يزال يرى القافلة تسير على الخير.. هل من مشمر قبل الندم والبكاء؟ الله جل وعز يقول: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا﴾.. فهل من مشمر؟! ويقول: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾ [الزمر: 53]، فهل من مشمر؟! شمر ما دام الباب مفتوحًا.. وعجل.. فرب متمهل فاتته حاجته.. أخي... أختي.. إن أمامكم أفقًا وسيعًا.. أفقًا جميلاً.. نعم.. إنه أفق رحمة الله.. أفق التوبة.. إن التائب حبيب الله، يقول جل وعز: ﴿إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ﴾ [البقرة: 222]. فهل من مشمر؟! دموع الوالدين دموع الوالدين غالية.. ولا يفرط فيها إلا مخذول.. وبر الوالدين عظيم.. وأجر ذلك عميم.. قضى الله بذلك، وأمر به عباده.. فما أطاع إلا موفق. كان شاب ممن سبق عاصيًا لله، وكان أبوه على خير وصلاح عظيم، وكان الوالد يتحين الفرصة لنصح ولده، وذات يوم نصح الوالد ولده، فأغلظ له في النصيحة، فلوى الولد يد والده، فأقسم الأب أن يذهب لبيت الله العتيق، فيدعو على ولده، فأنشد وهو متعلق بأستار الكعبة: وكان اسم الولد (مُنازل بن لاحق).. ونسي ذلك الشاب قول الله جل وعز: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾، وقول الله: ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا﴾، وقوله: ﴿وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾، وما أن أتم الوالد دعاءه حتى سقط الولد مشلولا من نصفه، أجارنا الله وإياكم. وانظر تمام القصة في كتاب التوابين لابن قدامة ([1]) فهو كتاب ماتع. فيا من كان هذا حاله.. راجع دفاتر الحسابات في تعاملاتك، واسكب العبرات على زلاتك. عسى يغفر لك، وإياك والدعوة المستجابة من الوالد الصالح. وأخيرًا أيها المبارك: والله ثم والله لو فتشت قلوب الخلق أجمع على أن تجد أهل حب لك؛ فلن تجد أكثر من والديك، وإن قسيا عليك أحيانًا فهو خير لك: بينما كان الأب المتعب عائدًا إلى منزله ذات مساء وقد خمدت منه كل قوة، إذا به يلمح في طريقه ولده، فلذة كبده.. يرتع ويلعب مع شباب سيماهم الغفلة، قد دل مظهرهم على مخبرهم، فتفجرت براكين الغضب في عروق الأب، ولكنه أسرها في نفسه ولم يبدها له.. أركبه في سيارته، وانطلق به إلى المنزل، وفي الطريق إذا برائحة [الدخان] تنسل من بدن الابن.. لتستقر في أنف الأب.. كسهم مسموم غرس في قلب الوالد، وخيم الحياء والصمت.. لم يتمالك الأب نفسه لفرط الحرقة والدهشة.. أهذا فلان؟! أهذا ولدي؟!! أهذا ولدي الذي كنت أفاخر به بين الناس؟!! وما هي إلا دمعة حرى أجابت هذه التساؤلات.. فانقلب الأمل إلى ألم.. وليس الذي يجري من العين ماؤها ولكنها روحٌ تسيل فتقطرُ ذابت الأحداق حرقة على هذا الولد، وفاضت العبرات.. لماذا؟! لأنه سلك سبيل معصية الله؛ لأنه وقع في أمر منكر فطرة وأخلاقًا، لأنه إذا استمر على هذا الأمر سوف يدمر نفسه ومن حوله، لأنه عصى المعصوم - صلى الله عليه وسلم - عندما نهى عن كل مسكر ومفتر، كما رواه أحمد في المسند، ولأنه استجاب لما يخططه له أعداء الإسلام من إيقاع الشباب المسلم في الملذات المحرمة الضارة دينًا، ودنيا..، وتحسين ذلك، وكما قال الأول: شفة طاهرة..، ووجه حسن.. أنفاس زكيةٌ.. وثنايا كالبرد..، أوغَلَ الحزن في صدره، وذاب الهمُّ في وجدانه.. اضطربت أحاسيسه..، وضجت بين الأضلع آلامه.. ظن جهلاً منه أن الدخينة [السيجارة] هي الملاذ والملجأ من هذه الهموم، والمهرب من هذه الغموم.. فتناولها.. وبدأ طريق الانحراف.. نعم.. طريق الانحراف.. مرت الأيام، وزادت الآثام، وذات يوم، وبعد تعب ونصب مع هذا الخبيث – أعني الدخان – ومعاناة وآلام، وإحراجات في المجتمع.. التهبت الأضلع بنار الندم والحرقة على التفريط، فكوى الكبدَ حرها..، فعلم ذلك الشاب أن المخرج من هذا هو طاعة الله..، وأنه لا يجوز له صرف شيء من الالتجاء والهرب لسواه سبحانه. ألمت به حسراتهُ، وهجست به ذكرياتهُ، فتذكر وروده على ربه جل وعز، والحساب، والميزان. وذات يوم انزلقت دمعة كبرى، وعبرة حرى.. من عينين واسعتين.. ترمق أفقًا قريبًا.. أفقًا جميلاً.. نعم.. إنه أفق رحمة الله.. تذكر ﴿إِنَّ رَحْمَةَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ تذكر قول الأول: إنه أفق التوبة.. فجمع بين صدق العودة إلى الله، وبين العزيمة على ترك الذنب.. فأقدم حازمًا يريد ما عند الله.. فأحبه الله لتوبته: ﴿إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾، فمحا ذنبه بإذن ربه، وأبدله صالحًا.. قال - صلى الله عليه وسلم - كما عند ابن ماجه والطبراني: «التائب من الذنب كمن لا ذنب له». وبعد هذا.. أخي.. إنما الأيام طرق الجد، والساعات ركائب المجد، وأيام العافية أوقات تستدرك..، وأحيان السلامة تنادي: (من جد أدرك)؛ فكن رجلاً بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى. دمعة عانس أختي المسلمة.. قد يحول أمر بينك وبين عش الزوجية، وقد يكون هذا الأمر هو والدك.. نعم.. لا تعجبين, نعم والدك أنت؛ إما طمعًا في مال، أو طلبًا في عرض مُغر من أحد الخطاب. أختي المسلمة.. أسوق لك قصة من الواقع.. عشناها وسمعنا تفاصيلها.. إنها قصة مؤلمة جدًا.. أختاه.. وقبل ذلك.. أرسلي هذه القصة إلى كل أب يريد أن يتاجر ببناته.. نعم.. أرسليها، وقولي له هذه القصة.. قولي له: كانت عفاف طفلة صغيرة.. تربت في أحضان والدها ووالدتها.. مرت الأيام وكبرت عفاف، والتحقت بالمدرسة، وتخرجت..، والتحقت بالجامعة وتخرجت، وبعد ذلك تقدم لها شابٌ صالحٌ طالبًا الزواج منها.. نعم.. إن كل فتاة تحلم بالمملكة الصغيرة.. إنها بيتها، وبيت زوجها.. عش الزوجية.. تقدم الشاب وخطبها من والدها.. تلعثم الأب، ولم يحرر جوابًا.. صمت قليلاً.. ثم نظر لهذا الخاطب نظرة فاحصة.. ثم قال: عفاف صغيرة السن..، ولن أزوجها إلا إذا كبرت.. توظفت عفاف.. وزاد طمع الوالد في إبقائها كمصدر دخل يدر عليه في الشهر كذا ألف من الريالات. توافد الخطاب على عفاف.. فكان الجابي يرفض.. نعم.. كان يرفض، مرضت عفاف بعد أن جاوزت الأربعين.. اشتد عليها المرض.. نقلها الأب إلى المستشفى.. لا حفاظًا على صحته هي؛ بل حفاظًا على مصدر الدخل الشهري. أدخلت عفاف غرفة العناية المركزة.. ازدادت حالتها الصحية تدهورًا.. وبينما هي تخوض غمار الآلام إذ بها تبكي وتن، وإذا بشريط الذكريات يسير ويسير، فتتذكر زميلاتها في المدرسة، وكيف كانت الواحدة منهن تتحدث عن أبنائها وبناتها وزوجها، وما تعانيه معهم، وقلب عفاف يتقطع على حلاوة الولد.. فجأة انقطع حبل الأفكار.. شرد ذهن عفاف.. صرخت ونادت: أين أبي؟! أين أبي؟!.. أريد أبي... أقبل الجشع الجابي فرحًا مسرورًا.. يظن أن هناك بقية من مال، يظن أن هناك تركة.. نظرت إليه عفاف، وقد اغرورقت عيناها بالدموع.. قالت لوالدها وهي تجود بأنفاسها: يا والدي.. ضع يدك في يدي، فلما وضعها قالت عفاف: يا والدي.. قل آمين.. فقال: آمين.. فقالت: قل آمين.. فقال: آمين.. فقالت: قل آمين.. فقال: آمين.. قالت عفاف وكلها أسىً ولوعة وحزن: يا والدي حرمك الله من الجنة كما حرمتني من الولد.. قالتها، وفارقت الحياة.. فلا إله إلا الله.. كم هي من مأساة عظيمة.. دمعة على العرض كان البيت سعيدًا آمنًا مطمئنًا بذكر الله والصلاة.. كان الأب محافظًا على الصلاة، وكانت الأسرة تؤدي ما افترضه الله عليها في الوقت المطلوب. وذات يوم تعرف الأب على مجموعة من الجيران، وكانوا أهل سوءٍ وفساد.. بدأت الصحبة.. أهمل ذلك الأب بعض الفرائض.. نام عن بعض الأوقات.. فجأة.. أدخل الأب التلفاز بحجة الأخبار [كما يعلل أصحاب الدشوش الآن.. حمانا الله وإياكم من الخذلان].. تَبِعَ التلفازَ ذلك الجهازُ اللعينُ.. إنه جهاز الفيديو المدمر.. وذات ليلة، وبعد أن أوشك شراع الليل أن يطوى، ونور الفجر أن يبزغ.. طلب منه رفاق السوء- أي الوالد الذي طالما حرص على الخير- طلبوا منه مصاحبتهم إلى حيث الكيف والمزاج..، ذهب.. ذاق من الخمر ما ذاق.. عاد للبيت مخمورًا.. دخل وألقى بنفسه في وسط صالة المنزل ونام.. نعم..، ومن تلك الليلة بدأت مأساة ذلك المنزل، وبدأ الضياع.. استمر الوالد على تلك الحال حتى باع شيئًا من ذهب زوجته وأثاث منزله.. بعد مدة.. غضبت الأم لما رأت ما رأت.. أنكرت الوضعَ.. احتدَّ النقاش بينهما.. طرد الأبُ زوجته من المنزل.. فذهبت بأطفالها الصغار لبيت أبيها.. وأبقت بنتها الكبرى البالغة من العمر (19) عامًا في المنزل لكي تقوم بحاجات المنزل وتنظيفه وكنسه.. وذات يوم خرجت الفتاةُ من البيت صارخة.. بعد أن ضاقت الدنيا في عينيها.. وما أن رأت إمام المسجد حتى أشرق لها فجر للأمل.. انفجرت باكية بين يديه..، وقالت: يا شيخ.. ثم ساقت قصة البيت الحزينة..، وأخبرته بعد ذلك بالخبر العُجاب.. بالصاعقة.. بالخطب الجلل.. نعم.. لقد كان الخبر كهيئة الصاعقة على قلب ذلك الشيخ.. نعم والله.. وكأنها صفعت ذلك الشيخ على وجهه حين أخبرته، فقالت والدموع تملأ ساحة الأجفان: إن والدها يحاول أن يفتك بها ليواقعها – عياذًا بالله – منذ حوالي عشرين يومًا.. لا إله إلا الله. يا الله.. يا الله.. أفي بلد التوحيد يكون هذا! أفي أمة التوحيد يكون هذا! أفي أحفاد مصعب والزبير يكون هذا! نعم.. انتهت المأساة.. ووالله لو لم أعرف ذلك الشيخ حق المعرفة لما نقلت لكم الخبر أبدًا.. .
عرض المزيد