كتاب الرسالة التبوكية
تحميل كتاب الرسالة التبوكية pdf الرِّسَالَةُ التَّبُوْكِيّةُ للإمام الحافظ ابن قيم الجوزية قال الشيخ الإمام العالم العلامة محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية رضي الله عنه وأرضاه في كتابه الذي سيره من تبوك ثامن المحرم سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة بعد كلام له سبق : أحمد الله بمحامده التي هو لها أهل والصلاة والسلام على خاتم رسله وأنبيائه : محمد ﷺ وبعد : فان الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه : { وتعاونوا على البر والتقوى ولاتعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب } . وقد اشتملت هده الآية على جميع مصالح العباد في معاشهم ومعادهم فيما بينهم بعضهم بعضا وفيما بينهم وبين ربهم فان كل عبد لاينفك عن هاتين الحالتين وهذين الواجبين : واجب بينه وبين الله وواجب بينه وبين الخلق فأما ما بينه وبين الخلق : من المعاشرة والمعاونة والصحبة فالواجب عليه فيها أن يكون اجتماعه بهم وصحبته لهم تعاونا على مرضاة الله وطاعته التي هي غاية سعادة العبد وفلاحه ولا سعادة له إلا بها وهي البر والتقوى اللذان هما جماع الدين كله وإذا افرد كل واحد من الاسمين دخل في مسمى الآخر إما تضمنا وإما لزوما ودخوله فيه تضمنا اظهر لان البر جزء مسمى التقوى وكذلك التقوى فانه جزء مسمى البر وكون أحدهما لايدخل في الآخر عند الاقتران لا يدل على أنه لا يدخل فيه عند انفراد الآخر . و نظير هذا لفظ الإيمان والإسلام و الإيمان والعمل الصالح و الفقير والمسكين و الفسوق والعصيان و المنكر والفاحشة ونظائره كثيرة . وهذه قاعدة جليلة من أحاط بها زالت عنه إشكالات كثيرة أشكلت على كثير من الناس . ولنذكر من هذا مثالا واحدا يستدل به على غيره وهو البر والتقوى . فان حقيقة البر هو الكمال المطلوب من الشيء والمنافع التي فيه والخير كما يدل عليه اشتقاق هذه اللفظة وتصاريفها في الكلام ومنه البر بالضم لمنافعه وخيره بالإضافة إلى سائر الحبوب ومنه رجل بار وبر وكرام برره والأبرار . فالبر : كلمة جامعة لجميع أنواع الخير والكمال والمطلوب من العبد . وفي مقابلته الإثم وفي حديث النواس بن سمعان أن النبي ﷺ قال له : " جئت تسال عن البر والإثم " . فالاثم كلمة جامعة للشرور والعيوب التي يذم العبد عليها . فيدخل في مسمى البر : الإيمان وأجزاؤه الظاهرة والباطنة ولا ريب ان التقوى جزء هذا المعنى . وأكثر ما يعبر عن بر القلب وهو وجود طعم الإيمان فيه وحلاوته وما يلزم ذلك من طمأنينته وسلامته وانشراحه وقوته وفرحه بالإيمان . فإن للإيمان فرحة وحلاوة ولذة في القلب ، فمن لم يجدها فهو فاقد الإيمان أو ناقصه وهو من القسم الذين قال الله عز وجل فيهم : { قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم } . فهؤلاء - على أصح القولين - مسلمون غير منافقين وليسوا بمؤمنين إذ لم يدخل الإيمان في قلوبهم فيباشرها حقيقة . وقد جمع الله خصال البر في قوله تعالى : { ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة واتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون } . فأخبر سبحانه أن البر هو الإيمان بالله وبملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وهذه هي أصول الإيمان الخمس التي لا قوام للإيمان إلا بها ، وأنها الشرائع الظاهرة من إقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والنفقات الواجبة ، وأنها الأعمال القلبية التي هي حقائقه من الصبر والوفاء بالعهد فتناولت هده الخصال جميع أقسام الدين حقائقه وشرائعه والأعمال المتعلقة بالجوارح والقلب وأصول الإيمان الخمس . ثم أخبر سبحانه عن هذا أنها هي خصال التقوى بعينها فقال : { أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون } . وأما التقوى فحقيقتها العمل بطاعة الله إيماناً واحتساباً ، أمراً ونهياً ، فيفعل ما أمر الله به إيمانا بالأمر وتصديقا بوعده ، ويترك ما نهى الله عنه إيماناً بالنهي وخوفاً من وعيده ، كما قال طلق بن حبيب : " إذا وقعت الفتنة فاطفئوها بالتقوى " قالوا : وما التقوى ؟ قال : " أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجوا ثواب الله وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله " . وهذا أحسن ما قيل في حد التقوى . فان كل عمل لابد له من مبدأ وغاية ، فلا يكون العمل طاعة وقربة حتى يكون مصدره عن الإيمان فيكون الباعث عليه هو الإيمان المحض ، لا العادة ولا الهوى ولا طلب المحمدة والجاه وغير ذلك بل لابد أن يكون مبدؤه محض الإيمان وغايته ثواب الله وابتغاء مرضاته وهو الاحتساب . ولهذا كثيرا ما يُقرن بين هذين الأصلين في مثل قول النبي ﷺ : " من صام رمضان إيمانا واحتسابا " و " ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً " ونظائره . فقوله : " على نور من الله " إشارة إلى الأصل الأول وهو الإيمان الذي هو مصدر العمل والسبب الباعث عليه . وقوله : " ترجو ثواب الله " إشارة أن الأصل الثاني وهو الاحتساب وهو الغاية التي لأجلها يوقع العمل ولها يقصد به . الرسالة التبوكية : رسالة للإمام ابن القيم - رحمه الله - فسّر فيها قوله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب}، والرسالة نسخة مصورة PDF قابلة للنسخ والبحث. وقد زخرت الرسالة بنفائسَ من الفوائد المتنوعة، وقد انتقيتُ ما يسَّر الله الكريم من هذه الفوائد، أسأل الله أن ينفع بها، ويبارك فيها. .
عرض المزيد