كتاب تفسير سورة الزمر
تحميل كتاب تفسير سورة الزمر pdf 2015م - 1443هـ سُورَةُ الزُّمَر سورة مكية إلا الآيات 52 حتى 54 فهي مدنية، السورة من المثاني، آياتها 75، وترتيبها في المصحف 39، في الجزء الرابع والعشرين، نزلت بعد سورة سبأ. فضل السورة كان النبي يقرأها قبل أن ينام: روى الترمذي عن عَائِشَة قالت: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا يَنَامُ حَتَّى يَقْرَأَ الزُّمَرَ، وَبَنِي إِسْرَائِيلَ». أسباب النزول أسباب نزول الآية (3) ورد في كتاب أسباب النزول للسيوطي في الآية الثالثة وهي: ﴿والذين اتخذوا …﴾[39:3] الآية. عن ابن عباس في هذه الآية، قال: أنزلت في ثلاثة أحياء:عامر، وكنانة، وبني سلمة، كانوا يعبدون الأوثان، ويقولون: الملائكة بناته، فقالوا: ﴿ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى﴾[39:3]. أسباب نزول الآية (9) وهي: ﴿أمّن هو قانت آناء الليل …﴾[39:9] الآية. أخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عمر في قول الله: ﴿أمّن هو قانت …﴾[39:9] الآية، قال: نزلت في عثمان بن عفان. وأخرج ابن سعد من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، قال: نزلت في عمار بن ياسر. وأخرج جويبر، عن ابن عباس قال: نزلت في ابن مسعود، وعمار بن ياسر، وسالم مولى أبى حذيفة. وأخرج جويبر، عن عكرمة قال: نزلت في عمار بن ياسر. أسباب نزول الآية (17) وهي: ﴿فبشر عباد …﴾[39:17] الآية. أخرج جويبر بسنده، عن جابر بن عبد الله، قال: لما نزلت ﴿لها سبعة أبواب …﴾[15:44] الآية، أتى رجل من الأنصار إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال:يا رسول الله إن لى سبعة مماليك، وإني أعتقت لكل باب منها مملوكاً، فنزلت فيه هذه الآية ﴿فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه﴾. قول الله: ﴿والذين اجتنبوا الطاغوت …﴾[39:17] الآية. أخرج ابن أبي حاتم، عن زيد بن أسلم أن هذه الآية نزلت في ثلاثة نفر كانوا في الجاهلية يقولون لا إله إلا الله: زيد بن عمرو بن نفيل، وأبى ذر الغفارى، وسلمان الفارسي. أسباب نزول الآية (23) وهي: ﴿الله نزل …﴾[39:23] الآية. روى الحاكم وغيره، عن سعد بن أبى وقاص، قال: أنزل على النبى صلى الله عليه وسلم القرآن، فتلاه عليهم زمانا، فقالوا: يا رسول الله، لو حدثتنا، فنزل ﴿الله نزل أحسن الحديث …﴾[39:23] الآية. زاد ابن أبي حاتم: فقالوا: يا رسول الله، لو ذكرتنا، فأنزل الله: ﴿ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم …﴾[57:16] الآية. وأخرج ابن جرير، عن ابن عباس قال: قالوا: يا رسول الله لو قصصت علينا، فنزل ﴿نحن نقص عليك أحسن القصص﴾[12:3]. أخرج ابن مردويه عن ابن مسعود مثله. أسباب نزول الآية (36) وهي: ﴿ويخوفونك …﴾[39:36] الآية. أخرج عبد الرزاق، عن معمر قال: قال لي رجل: قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: لتكفن عن شتم آلهتنا أو لنأمرنها لتخبلنك، فنزلت ﴿ويخوفونك بالذين من دونه …﴾[39:36] الآية. أسباب نزول الآية (45) وهي: ﴿وإذا ذكر الله …﴾[39:45] الآية. أخرج ابن المنذر، عن مجاهد: أنها نزلت في قراءة النبي صلى الله عليه وسلم (سورة النجم) عند الكعبة، وفرحهم عند ذكر الآلهة. أسباب نزول الآية (53) وهي: ﴿قل يعبادى الذين أسرفوا﴾[39:53]. عن ابن عباس: أن أناسا من أهل الشرك قتلوا فأكثروا، وزنوا فأكثروا، ثم أتوا النبي فقالوا: إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة، فنزلت هذه الآية. أخرجه البخاري ومسلم. عن السورة هذه السورة تكاد تكون مقصورة على قضية التوحيد. وهي تطوف في القلب البشري في جولات متعاقبة، وتوقع على أوتاره إيقاعات متلاحقة، وتهزه هزاً عميقاً متواصلاً لتطبع فيه حقيقة التوحيد وتمكنها، وتنفي عنه كل شبهة وكل ظل يشوب هذه الحقيقة. ومن تم فهي ذات موضوع واحد من بدائها إلى ختامها، يعرض في صور شتي. ومنذ افتتاح السورة تبرز هذه القضية الواحدة التي تكاد تقتصر السورة على علاجها ﴿إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فأعبد الله مخلصاً له الدين. ألا لله الدين الخالص﴾ وقوله: ﴿قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصاً له الدين﴾[39:11] وقوله: ﴿أليس الله بكاف عبده﴾[39:36]. وإلى جانب التوحيد التي تعالج السورة أن تطبعها في القلب، نجد في السورة توجيهات لايقاظ هذا القلب وإثارة حساسيته كقوله: ﴿فبشر عباد *الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه﴾. وهناك ظاهرة في جو السورة...أن ظل الآخرة يجللها من أولها إلى آخرها، وتتلاحق مشاهد يوم القيامة في كل مقطع من مقاطعها كقوله: ﴿أمَّن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمت ربه﴾[39:9]. وقوله: ﴿أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة﴾[39:24]. أما المشاهد الكونية فهي قليلة في هذه السورة. هنالك مشهد كوني يرد في مطلعها: ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ﴾ [39:5]. ومشهد آخر في وسطها: ﴿ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض﴾[39:21]. كذلك تتضمن السورة لمسات من واقع البشر، وفي أغوار نفوسهم، ويرد في مطلعها عن نشأة البشرية: ﴿خلقكم من نفس واحدة﴾[39:6]. ويرد عن طبيعة البشرية في الضراء والسراء: ﴿وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيباً إليه، ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل﴾[39:8]. ويرد في السورة أنفس البشر في قبضة الله في كل حاله: ﴿الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها، فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى﴾[39:42]. هذا الظل يتناسق مع السورة، ولون اللمسات التي تأخد القلب بها. فهي أقرب إلى جو الخشية والخوف والفزع والارتعاش، نجد هذا في صورة القانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة وفي صورة الذين تقشعر جلودهم وتلين قلوبهم لذكر الله.ونجده في التوجيه إلى التقوى والتخويف من العذاب: ﴿قل ياعباد الذين آمنوا اتقوا ربكم﴾[39:10]. ونجده في مشاهد يوم القيامة وما فيها من فزع ومن خشية ومن إنابه وخشوع. هذا الكتاب في الأصل دروس ألقاها فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في جامعه بمدينة عنيزة صباح كل يوم أثناء الإجازات الصيفية، شرح فيها تفسير الجلالين لسورة الزمر. يخبر تعالى عن عظمة القرآن، وجلالة من تكلم به ونزل منه، وأنه نزل من اللّه العزيز الحكيم، أي: الذي وصفه الألوهية للخلق، وذلك لعظمته وكماله، والعزة التي قهر بها كل مخلوق، وذل له كل شيء، والحكمة في خلقه وأمره. فالقرآن نازل ممن هذا وصفه، والكلام وصف للمتكلم، والوصف يتبع الموصوف، فكما أن اللّه تعالى هو الكامل من كل وجه، الذي لا مثيل له، فكذلك كلامه كامل من كل وجه لا مثيل له، فهذا وحده كاف في وصف القرآن، دال على مرتبته. ولكنه - مع هذا - زاد بيانا لكماله بمن نزل عليه، وهو محمد صلى اللّه عليه وسلم، الذي هو أشرف الخلق فعلم أنه أشرف الكتب، وبما نزل به، وهو الحق، فنزل بالحق الذي لا مرية فيه، لإخراج الخلق من الظلمات إلى النور، ونزل مشتملا على الحق في أخباره الصادقة، وأحكامه العادلة، فكل ما دل عليه فهو أعظم أنواع الحق، من جميع المطالب العلمية، وما بعد الحق إلا الضلال. ولما كان نازلا من الحق، مشتملا على الحق لهداية الخلق، على أشرف الخلق، عظمت فيه النعمة، وجلَّت، ووجب القيام بشكرها، وذلك بإخلاص الدين للّه، فلهذا قال: { فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ } أي: أخلص للّه تعالى جميع دينك، من الشرائع الظاهرة والشرائع الباطنة: الإسلام والإيمان والإحسان، بأن تفرد اللّه وحده بها، وتقصد به وجهه، لا غير ذلك من المقاصد. .
عرض المزيد