كتاب الشيخ عز الدين القسام قائد حركة وشهيد قضية
تحميل كتاب الشيخ عز الدين القسام قائد حركة وشهيد قضية pdf 1989م - 1443هـ محمد عز الدين بن عبد القادر القسام (1300هـ/1883م - 1354هـ/1935م) الشهير باسم عز الدين القسام، عالم مسلم، وداعية، ومجاهد، وقائد، ولد في بلدة جَبَلة من أعمال اللاذقية سنة 1883م، وتربى في أسرة متديّنة ومعروفة باهتمامها بالعلوم الشرعية، ثم ارتحل إلى الجامع الأزهر بالقاهرة سنة 1896م عندما بلغ الرابعة عشرة من عمره، وتخرّج منه سنة 1906م، وعاد إلى بلده جبلة، حيث عمل مدرساً وخطيباً في جامع إبراهيم بن أدهم. احتل الفرنسيون الساحل السوري في ختام الحرب العالمية الأولى سنة 1918م، فثار القسام في جماعة من تلاميذه ومريديه، وطارده الفرنسيون، فقصد دمشق إبان الحكم الفيصلي، ثم غادرها بعد استيلاء الفرنسيين عليها سنة 1920م، فأقام في حيفا بفلسطين، وتولى فيها إمامة جامع الاستقلال وخطابته، ورياسة جمعية الشبان المسلمين. واستطاع القسام في حيفا تكوين جماعة سرية عُرفت باسم العُصبة القسّامية، وفي عام 1935م شددت السلطات البريطانية الرقابة على تحركات القسام في حيفا، فقرر الانتقال إلى الريف حيث يعرفه أهله منذ أن كان مأذوناً شرعياً وخطيباً يجوب القرى ويحرض ضد الانتداب البريطاني، فأقام في قضاء جنين ليبدأ عملياته المسلحة من هناك. إلا أن القوات البريطانية كشفت أمر القسام، فتحصن هو وبعض أتباعه بقرية نزلة الشيخ زيد، فلحقت القوات البريطانية بهم وطوقتهم وقطعت الاتصال بينهم وبين القرى المجاورة، وطالبتهم بالاستسلام، لكنه رفض واشتبك مع تلك القوات، وقتل منها خمسة عشر جندياً، ودارت معركة غير متكافئة بين الطرفين لمدة ست ساعات، وانتهت المعركة بمقتل القسام وثلاثة من رفاقه، وجُرح وأُسر آخرون. كان لمقتل القسَّام الأثر الأكبر في اندلاع الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936م، والتي كانت نقطة تحول كبيرة في مسيرة الحركة الوطنية الفلسطينية بعد ذلك. مرت العصبة القسامية الجهادية بعدة مراحل: فقد كانت في المرحلة الأولى فكرةً تُلحّ على القسام منذ هاجر إلى حيفا سنة 1920م، ولم تكن هذه الفكرة وليدة حيفا دار الهجرة، وإنما كانت موجودة منذ بدأ القسام حياته العملية بعد عودته من الأزهر، وعندما انتقل القسام إلى فلسطين بدأ يَدرس البيئة الجديدة التي سينشر فيها دعوته، فتعرّف على الناس وقضاياهم ومشكلاتهم، ودرس الخطط اليهودية والبريطانية لسلخ فلسطين عن بلاد المسلمين. وكانت المرحلة الثانية هي مرحلة الإعداد النفسي للشعب، ونشر روح الجهاد، وبناء القاعدة التي يستطيع أن يرفع تنظيمه عليها، وينتقي منها عناصره المنظمة، وقد ساعده على ذلك ما يملكه من علم وفهم في طبائع الرجال، وقدرة خطابية مؤثرة، وقد بدأت هذه المرحلة منذ تولي شؤون مسجد الاستقلال في حيفا، وفي أثناء عمله في جمعيات الشبان المسلمين، إذ أصبح القسام رئيساً لجمعية الشبان المسلمين عام 1926م. وأما المرحلة الثالثة فهي مرحلة اختيار عناصر التنظيم، وهي مرحلة مختلطة بالمرحلة السابقة، وفي هذه المرحلة اعتمد القسام على العمل السري لبناء تنظيمه بعيداً عن مراقبة السلطات البريطانية والعصابات اليهودية، ولذلك كان لا يبوح بسر التنظيم إلا لأشخاص قلائل جداً، بعد أن يدرس شخصياتهم وأحوالهم النفسية دراسة كافية. ولاعتماده على السرية التامة والحذر الشديد في اختيار الأعضاء، سار التنظيم بطيئاً، وكان من أهداف البطء في بناء التنظيم وضع الأعضاء المختارين في مرحلة اختبار، وزيادة شحن للنفوس بمعاني الجهاد، وأن يتجهوا إلى تقويم أنفسهم عن طريق العبادة ومجاهدة النفس. وأما المرحلة الرابعة فقد كانت تتمثل بالإعداد العسكري بالتدريب على أدوات الحرب المتاحة، والمرحلة الخامسة كانت مرحلة التطبيق العملي السري بتنفيذ عمليات جهادية فردية، وأما المرحلة الأخيرة فهي مرحلة القرار الذي اتخذه القسام بالخروج إلى الجهاد. قال محمد عزة دروزة تحت عنوان (الحلقات الجهادية وحركة الشهيد القسام): «وكانت حيفا مركزاً هاماً من مراكز العمال العرب، الذين كان كثير منهم من مُشرّدي مُزارعي القرى التي بيعت لليهود وأُجْلوا عنها ... وكان لهؤلاء العمال حَيّ خاص مساكنه من التنك والخشب، فأخذ يظهر من هذه الطبقة رجال جهاد منذ سنة 1930م حيث أخذت تقع غزوات جهادية على اليهود ومستعمراتهم في قضاء حيفا، فُهمَ فيما بعد أنها من جمعيات أو حلقات جهادية متدينة وسريّة محكمة التشكيل، كل فرد منها يُجهّز نفسه بنفسه، ويقومون بأعمالهم باسم الجهاد، ولم تستطع السلطات أن تكتشف أسرار هذه الجمعيات، أو تحول دون غزواتها، مع ما بذلته من جهد واعتقال بعض أعضائها.» طريقة اختيار أعضاء العصبة قمع المظاهرات عقب ثورة البراق سنة 1929م كان القسام يختار أعضاء التنظيم السري مستخدماً منهجاً جديداً، يعتمد على السّرّيّة والدقة والحذر الشديد في اختيار الأنصار، فليس كل من أبدى حماساً للجهاد صالحاً للانضمام إلى عضوية التنظيم، فكان القسام يصر على صفات وأخلاق في الرجل تؤهله أن يكون في هذا التنظيم المحاط بالأعداء، وكانت أولى خطوات اختيار الرجل تبدأ من خلال التقاء القسام بالمصلين في مسجد الاستقلال، وبعد صلاة الجمعة، وفي دروس ما بعد العصر، حيث كان القسام يتفرس في وجوه المصلين، ويدرس شخصيات المتأثرين بدروسه وخطبه، فيزورهم في بيوتهم لمزيد من المعرفة والملاحظة، ويدعوهم لزيارته في منزله وتتكرر الزيارات، ويدور الحديث في كل زيارة حول الجهاد، إلى أن يؤمن الرجل بوجوب العمل لإنقاذ فلسطين، فإذا اطمأن القسام إلى صاحبه، أدخله في حلقة سرية، لا يزيد عدد أفرادها عن خمسة، وكان لكل حلقة نقيب يتولى القيادة والتوجيه. ولتنظيم أبناء القرى اتبع القسام مبدأ زيارة القرى، وبخاصة القرى التي يسكنها أصدقاءه في أقضية حيفا والناصرة وجنين، وإذا كان أحد أفراد التنظيم قروياً يسكن حيفا، فإن القسام يطلب منه العودة إلى قريته، ليمهد له عند مختار القرية ويدعوه لزيارته، وعندما يزور القرية يحرص على التقاء أهلها في درس ديني بعد صلاة العصر، أو مجلس ذكر بعد صلاة المغرب، ومن خلال هذه اللقاءات يتعرف على أكثر الناس تديناً، وكان يجتمع سراً مع من يرى فيهم الحميّة وحب الجهاد، ومع دوام الوعظ والملاحظة والتأهيل والتعليم يتم تشكيل حلقات جديدة. ولم تكن تتاح العضوية لأحد إلا بعد مدة من التجربة والمراقبة، ولا يشترط أن تكون التجربة في عمل تقوم به جماعة القسام، فقد تكون التجربة من خلال عمل فدائي يقوم به الرجل في مقاومة الإنجليز واليهود، ففي ثورة البراق سنة 1929م شارك آلاف من مسلمي فلسطين، وبرز منهم قادة مخلصون، فتوجهت أنظار جماعة القسام إلى هؤلاء لجذبهم إلى التنظيم السري. وفتح القسام المجال أمام فئات المجتمع كافة: الغني والفقير، والمتعلم والأمي، والشباب والشيوخ، ولكنّ أكثر أنصاره الذين قبلوا دعوته هم أولئك الذين لم تغرّهم المناصب الحكومية، والذين ذاقوا مرارة مؤامرات الإنجليز واليهود بإخراجهم من ديارهم وأرضهم، ولذلك فإن الكثيرين من أفراد تنظيم القسام كانوا من الفقراء ومن العمال ومن غير المثقفين في المدارس والجامعات. وكان القسام قد أبدى اهتماماً بالمحتاجين والفقراء، فعمل على تحسين أحوالهم المعيشية، وأخذ يكافح الأمية في صفوفهم بالدراسة الليلية. واهتم أيضاً بإصلاح المنحرفين، وكان يؤمن «أن جرأة السارق أو القاتل من الممكن أن تتحول إلى شجاعة وجهاد إذا تاب إلى الله تعالى وآمن بالجهاد في سبيل الله»، ومثال ذلك قصة حسن الباير الذي اعترف للشرطة البريطانية بعد أسره إثر معركة يعبد فقال: «أنا من قرية برقين، قضاء جنين، وكنت من قبل أسرق وأرتكب المحرّمات، فجاءني المرحوم عز الدين القسام، وأخذ يهديني ويعلمني الصلاة، وينهاني عن مخالفة الشرع الشريف وأوامر الله، وقبل مدة أخذني المرحوم الشيخ عز الدين إلى أحد جبال برقين، وهناك أعطاني بندقية، فسألته: «لم هذه؟»، فأجاب: «لأجل أن تتمرن عليها، وتجاهد مع إخوانك في سبيل الله».» وبعد جهود ثلاث سنوات استطاع القسام تكوين اثنتي عشرة حلقة جهادية تعمل كل واحدة منفصلة عن الأخرى، وتتكون كل خلية من خمسة أفراد، أكثرهم من عمال البناء والسكك الحديدية وعمال الميناء والباعة المتجولين. ثم زاد عدد أفراد الخلية في أوائل الثلاثينات، فأصبحت تضم تسعة أفراد. بدء مرحلة القتال كان بدء المرحلة الجادة في التسلح والتدريب في أواخر عام 1928م، عندما خطا اليهود خطوة جريئة حيث تجاوزوا المباح لهم عند حائط البراق، وتداعوا من كل أنحاء فلسطين، وتدفقوا إلى الزيارة آلافاً مؤلفة بين مظاهر الحماس والزهوّ، فأثار هذا المسلمين، وتداعوا إلى حراسة المسجد الأقصى والدفاع عنه، مما دفع جماعة القسام إلى الانتقال من مرحلة الدعوة إلى مرحلة الإعداد العسكري المسلح، ويذكر أبو إبراهيم الكبير أنه في عام 1928م إثر ازدياد التهديد اليهودي: «طلبنا من الشيخ أن ينتقل من مرحلة الكلام إلى العمل، وطلبنا أن نتسلح ونتدرب، فاشترينا بندقية، وأحضرنا مدرباً كان اسمه محمد أبو العيون، وكانت تبدأ الجلسة بأن يُلقي الشيخ دروسَه، ثم تحولت دروس الشيخ من دروس دينية إلى تحريض على الجهاد، وكان المدرب يقوم آخر الجلسة بتدريب الموجودين على البندقية واحداً واحداً». استجاب الشيخ راشد الخزاعي أمير حاكمية جبل عجلون لنداء القسام، وأمدّه بالحماية والمال والسلاح ثم جاءت ثورة البراق عام 1929م لتعجّل بالتحضير العسكري، والانتقال من المرحلة السرية إلى المرحلة العلنية، فأخذ القسام يتولى تدريب المجاهدين بنفسه، وكان يخرج ليلاً يُدرب الأعضاء على الأسلحة، ويوجههم إلى أساليب الكفاح المسلح. ويصف حسن شبلاق (عضو الهيئة المسؤولة عن الحجّارة في أراضي الكبابير بجبل الكرمل وأحد الذين تدربوا على يد القسام) الخطواتِ كالتالي: «كنا نجتمع قبل الخروج إلى جبل الكرمل في واحد من الجوامع الثلاثة: الاستقلال والجامع الكبير (الجرينة) والجامع الصغير، وكان الخروج عادةً على مستوى الحظيرة، ثلاثة أشخاص يعرف بعضهم بعضاً، والحُجة القانونية التي كنا نتسلح بها في خروجنا وجودُ المحاجر، فلي محجرٌ هناك مثلاً، ومعظم الحجّارة السبعمئة كانوا من القساميين، وكان القسام يخرج مع كل حظيرة، ويُعلّمها فكَّ وتركيبَ البندقية وتنظيفَها وكيفيةَ استخدامها». وكان القسام حازماً في تدريب المجاهدين، قال أحد القساميين: «كان يأخذنا لدروس التدريب وإطلاق النار، ويطلب منا أن نمشي حُفاةً، وعندما كنا نتدرب في الجبال كان يجعلنا ننام في العراء في جو بارد، وكان يطلب منا السير دون حمل طعام أو ماء، حتى نستطيع تحمل الجوع والعطش، وكان يطلب منا أن ننام مرة أو مرتين في الأسبوع على الحصير بغطاء خفيف، وكان يصرّ دائماً على سرية أنشطتنا، ولذلك كنا نواجه متاعب في بيوتنا مع زوجاتنا وعائلاتنا، لأننا لا نستطيع شرح وتوضيح لماذا ننام بهذه الطريقة، وكان علينا أن نحتمل هذا، لأننا تعاهدنا على تنفيذ هذه الأوامر». طلب عز الدين القسام العون ممن حوله وقام بالاتصال بكُل الملوك والأُمراء والزعامات العربية في ذلك الوقت، حيث اتصل بالملك فيصل في سوريا طلباً لمؤازرته في ثورته، فوعده ولم يُثمر وعده عن شيء، واتصل بالحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين الأكبر وطلب منه أن يهيئ الثورة في منطقته، فأجابه بأنه يرى أن تحل قضية فلسطين بالطرق السلمية عن طريق المفاوضات، فما أجابه ولبى نداءه بالدعم والعون إلا الأمير راشد بن خزاعي الفريحات، وهو أمير وزعيم عربي أردني (1850 - 1957م)، وقد اشتهر الأمير راشد الخزاعي بمناهضته للانتداب البريطاني في بلاد الشام ودعمه للثورتين الفلسطينية والليبية، كما عُرف عنه معارضته وثورته علناً ضد النظام الملكي الأردني منذ قدوم عائلة الشريف حسين بن علي الهاشمي والملك عبد الله الأول بن حسين إلى إمارة شرق الأردن، كما وقف الأمير راشد الخزاعي بوضوح وبقوة مع جهود الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود في توحيد الجزيرة العربية. نهض الأمير راشد الخزاعي ليمد القسام ورجاله بالمال والسلاح والمأمن، ووقف إلى جانبه في ثورته، ويُذكر أن عز الدين القسام لجأ مرة إلى جبال عجلون مع عدد من الثوار، وكانوا في حماية الأمير راشد، وقد تواصل القسام مع الأمير من شرق الأردن للمؤازرة وليهيئ الثورة ضد الانتداب البريطاني وأعوانه في شرق الأردن، وقد قدم الأمير الخزاعي إمداداً مباشراً وقوياً للقسام بالمال والسلاح، فضلاً عن توفير الحماية للثوار الفلسطينيين في جبال عجلون الحصينة من فترة لأخرى، الأمر الذي استدعى من الأمير راشد وقبيلته ومعظم عشائر الشمال الأردني للمواجهة مباشرة مع النظام الأردني، وخاصة مع الملك عبد الله الأول بن حسين والانتداب البريطاني الذي حاول تصفية الأمير الخزاعي بقصف مواقعه وقتل كثير من الثوار الأردنيين الموالين للخزاعي في ذلك الوقت، مما اضطره بعدها إلى مغادرة الأراضي الأردنية إلى السعودية عام 1937م، واندلعت على إثر لجوئه ثورة في جبال عجلون امتدت بعدها لنطاق واسع في إمارة شرق الأردن. ويذكر صبحي ياسين أنه في يوم 12111935م كانت الجمعية تملك ألف قطعة سلاح، وقاعدةَ تسليح في منطقة اللاذقية، وفي هذا اليوم اجتمعت القيادة في حيفا، ودرست الموقف العام في فلسطين، وتقرّر بدء الجهاد العلني. بدء الجهاد العلني سنة 1935م قال إبراهيم الشيخ، وهو أحد مجاهدي العُصبة القسامية، معلّلاً خروج القسام إلى الجهاد العلني: «في أوائل عام 1935م رأى القائد القسام أن المستعمِر يراقب تحركاتِ القساميين مراقبة دقيقة، وكان القائد يخشى أن يَعتقل الإنجليز النخبة الصالحة من إخوانه، فيُفسدَ جميع مخططات العصبة قبل أن تظهر، وكان يرى الخروجَ إلى الجبال والطوافَ بالقرى وحثَّ المواطنين على شراء السلاح والاستعداد للجهاد. وقد أكّد هذا الرأيَ عددٌ من أتباع القسام». ومن أسباب خروج القسام إلى الجهاد أيضاً: ازدياد الهجرة اليهودية إلى فلسطين، واتساع مساحة الأراضي التي استولوا عليها، فقد دخل فلسطين سنة 1935م 62000 يهودي، وامتلك اليهود في العام نفسه 73000 دونم من الأراضي العربية، حتى كتب المندوب السامي البريطاني قبل نهاية سنة 1935م إلى وزارة المستعمرات يقول: «إن خُمس القرويين قد أصبحوا بالفعل دون أراضٍ يمتلكونها، كما أن عدد العمال العاطلين في المدن آخذٌ في الازدياد». وبعد أن حزم القسام أمره وعزم على الخروج، بدأ يتصل بأتباعه وإخوانه ويتحدث معهم في قراره إعلان الجهاد، قال عربي البدوي: «قبل الخروج، كنا لمدة أسبوع نتباحث، ونجتمع في بيوت متفرقة، وأخيراً قررنا الخروج. وكان الأمر القيادي الأول: ليتوجه كلٌّ إلى أهله، يستودعهم الله، ويعاهدهم على اللقاء في الجنة إن شاء الله». وفي آخر خطبة له في جامع الاستقلال، فسّر للمصلين الآية الكريمة: ﴿أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [9:13]. يقول يوسف الشايب الذي استمع إلى الخطاب: إن آخر كلمات قالها القسام في خطبته: «أيها الناس، لقد علّمتكم أمور دينكم حتى صار كل واحد منكم عالماً بها، وعلّمتكم أمور وطنكم حتى وجب عليكم الجهاد، ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد، فإلى الجهاد أيها المسلمون، إلى الجهاد أيها المسلمون». وبعد ساعة من إلقاء الخطبة، أخذت السلطة تفتش عنه للقبض عليه ومحاكمته، ولكنه كان قد ودّع أهله وإخوانه، وحمل بندقيته، وذهب وصحبه إلى الجبال. ويؤكد يوسف الشايب أن القسام خرج بعد هذه الخطبة، وأن سيارةً كانت تنتظره خارج المسجد، وأنه لم يشاهده أحد في حيفا بعد ركوبه السيارة. وأصح الأقوال في زمن خروجه أنه في ليلة 26 أو 27 من شهر تشرين الأول (أكتوبر) سنة 1935م. .
عرض المزيد