كتاب ماذا حول أمية الرسول صلى الله عليه وسلم
تحميل كتاب ماذا حول أمية الرسول صلى الله عليه وسلم pdf 1978م - 1443هـ نبذة عن الكتاب : من أكبر الأدلة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته هي أُميَّته؛ حيث جاء وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب بهذا الكتاب المعجز القرآن الكريم، هذا الكتاب الذي أعجز البلغاء بفصاحته، وأعيا الفصحاء ببلاغته، كما حوى هذا الكتاب كل ما يحتاجه الإنسان لدينه ودنياه، ففيه العقائد والعبادات، وفيه الأحكام والتشريعات، وفيه الأدب والأخلاق، وفيه المواعظ والقصص، وفيه الجدل والحجاج، إلى غير ذلك مما لا يتناهى منه العجب، ولا ينقطع منه الدهش، كل ذلك أتى على يد نبي أمي لم يقرأ يومًا حرفًا، ولم يخط بيمينه يومًا كلمة، لذلك كانت أميته صلى الله عليه وسلم هي موضع عظمته، ودليل صدقه، وآية من الآيات الدالة على نبوته. لذلك كان من أكبر ما وجَّه المشككون إليه سهامهم، وسدد إليه الملحدون رميهم هي أميته، فحاولوا إنكارها بشتى السبل، وراموا نفيها بكل الحيل، حتى يصح لهم زعمهم بأنه نقل هذا القرآن من الكتب السابقة، وأنه كان على علم بما فيها، فقد كان يقرأها بلسانه، وينسخها بيده، لذلك أخذوا يتأوَّلون الآيات الصريحة التي تدل على أميته، وينكرون السنة الصحيحة التي تثبت هذه الأمية بما لا يدع مجالا للشك، وكل همهم من وراء ذلك هو هدم أكبر دليل على صدقه صلى الله عليه وسلم. وقد تبعهم في ذلك عن حسن قصد بعض الباحثين المسلمين الذين أنكروا أمية النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث يظنون أنها لا تليق بمقامه الشريف، وأن أميته تعد صفة نقص لا كمال، فحاولوا بحسن نية تنزيه مقامه الشريف عن هذه الصفة، لكن في الحقيقة والواقع قد تعد الأمية صفة نقص في حق إنسان عادي وسط مجتمع متعلم يجيد معظم أفراده القراءة والكتابة، لكن في حق النبي صلى الله عليه وسلم لا تعد مطلقًا صفة نقص، وإنما هي صفة كمال وإعجاز، صفة يتحقق عن طريقها صدقه في دعوته، وأمانته في تبليغ رسالته، فصفة الأمية أصبحت في حقه صفة كمال؛ لأنها دلَّت على أنه نبي، وهو أعلى مقام يمكن أن يصل إليه بشر، لذلك لا يصح أن نقيس حال البشر العاديين على حال الأنبياء، حتى نقول: إن صفة الأمية عند البشر صفة نقص، فكذلك عند الأنبياء، فهذا قياس مع الفارق. لذلك سوف نبيِّن في هذا المقال بالأدلة الواضحة، والحجج القاطعة - أنه كان أميًّا، وهذا شرف له ما بعده شرف، ومزية ما بعدها مزية؛ لأن الله عز وجل هو الذي اختار له هذا، وأجرى به القدر حتى تظل علامة صدقٍ وبرهان حق على مر الأيام وتوالى الأعوام. وأول هذه الأدلة: 1- قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ﴾ [الأعراف: 157]. فالآية واضحة تمام الوضوح، ظاهرة كمال الظهور أنه كان نبيًّا أميًّا، وتكاد تطبق مجامع اللغة وعلماء اللغة على أن (الأمي) هو الذي لا يقرأ ولا يكتب. فابن قتيبة قد نسَب كلمة أمي إلى أمة العرب التي لم تكن تقرأ أو تكتب، فقال: (قيل لمن لا يكتب أمي؛ لأنه نسب إلى أمة العرب؛ أي جماعتها، ولم يكن من يكتب من العرب أي جماعتها، ولم يكن من يكتب من العرب إلا قليل ...) [1]. ويقول ابن منظور: "والأُمِّيّ: الَّذِي لَا يَكْتُبُ، قَالَ الزَّجَّاجُ: الأُمِّيُّ الَّذِي عَلَى خِلْقَة الأُمَّةِ لَمْ يَتَعَلَّم الكِتاب فَهُوَ عَلَى جِبِلَّتِه، وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَ؛ قَالَ أَبو إِسْحَاقَ: مَعْنَى الأُمِّيّ المَنْسُوب إِلَى مَا عَلَيْهِ جَبَلَتْه أُمُّه أَيْ لَا يَكتُبُ، فَهُوَ فِي أَنه لَا يَكتُب أُمِّيٌّ، لأَن الكِتابة هِيَ مُكْتسَبَةٌ فكأَنه نُسِب إِلَى مَا يُولد عَلَيْهِ أَيْ عَلَى مَا وَلَدَته أُمُّهُ عَلَيْهِ، وَكَانَتِ الكُتَّاب فِي الْعَرَبِ مِنْ أَهل الطَّائِفِ تَعَلَّموها مِنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الحِيرة، وأَخذها أَهل الْحِيرَةِ عَنْ أَهل الأَنْبار. وَفِي الْحَدِيثِ: إنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُب وَلَا نَحْسُب؛ أَراد أَنهم عَلَى أَصل وِلَادَةِ أُمِّهم لَمْ يَتَعَلَّموا الكِتابة والحِساب، فَهُمْ عَلَى جِبِلَّتِهم الأُولى، وَفِي الْحَدِيثِ: بُعِثتُ إِلَى أُمَّةٍ أُمِّيَّة؛ قِيلَ لِلْعَرَبِ الأُمِّيُّون لأَن الكِتابة كَانَتْ فِيهِمْ عَزِيزة أَو عَديمة؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ: بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ"[2]. وقال ابن سيده: "الْأُمِّيُّ: هو على خلقة الأمَّة، لم يتعلم الكتاب فهو على جِبِلَّتِهِ"[3]. وفي المصباح المنير: "وَالْأُمِّيُّ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الَّذِي لَا يُحْسِنُ الْكِتَابَةَ فَقِيلَ نِسْبَةٌ إلَى الْأُمِّ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ مُكْتَسَبَةٌ فَهُوَ عَلَى مَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ مِنْ الْجَهْلِ بِالْكِتَابَةِ وَقِيلَ نِسْبَةٌ إلَى أُمَّةِ الْعَرَبِ لِأَنَّهُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ أُمِّيِّينَ"[4]، ويكاد يجمع المفسرون أيضًا على أن الأمي هو من لا يحسن القراءة ولا الكتابة. قال الإمام الطبري: ما يعرف من كلام العرب المستفيض بينهم، أن "الأمي" هو الذي لا يكتب، ثم قال: وأرى أنه قيل للأمي: "أمي"؛ نسبة له بأنه لا يكتب إلى "أمه"؛ لأن الكتاب كان في الرجال دون النساء، فنسب من لا يكتب ولا يخط من الرجال - إلى أمه - في جهله بالكتابة، دون أبيه، كما ذكرنا عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: "إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب"، وكما قال: ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾ [الجمعة: 2][5]. وقال الإمام الواحدي: "﴿ الذين يتبعون الرسول النبيَّ الأميَّ ﴾، وهو الذي لا يكتب ولا يقرأ، وكانت هذه الخلَّة مؤكِّدة لمعجزته في القرآن" .
عرض المزيد