كتاب البيان المفيد فيما اتفق عليه علماء مكة ونجد من عقائد التوحيد
تحميل كتاب البيان المفيد فيما اتفق عليه علماء مكة ونجد من عقائد التوحيد pdf 1992م - 1443هـ عندما دخل الإمام ابن سعود إلى مكة المكرمة حصلت اجتماعات متعددة، تباحث فيها علماء بلد الله الحرام مع علماء نجد في المسائل المختلف بينهم فيها، وكان رائد الجميع في هذه المناقشات والمباحثات الوصول إلى الحق أيًّا كان، وفي جانب من كان معتمدًا على كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وما كان عليه السلف الصالح - رضي الله عنهم - من القول والعمل، وهم - القوم - يهتدى بهديهم، ويقتدى بقولهم وعملهم، وكانت نتيجة المناقشات والمباحثات قيدت في كراسة، وطبِعت في مطبعة أم القرى، وسميت الاسم المذكور أعلاه، وقد جعله علماء مكة - وفقنا الله وإياهم - في صيغة نداء لإخوانهم ونصيحة، وهو هذا على سبيل الذكرى إن الذكرى تنفع المؤمنين. قد آن لنا أن نرفع صوتنا عاليًا في هذا الجو الهادئ الذي يسمع فيه قوله تعالى: ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 104]، وقوله تعالى: ﴿ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: 3]، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((الدين النصيحة))، قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: ((لله ولرسوله وللأئمة المسلمين وعامتهم))، وقوله: ((من علم علمًا فكتمه، ألجم يوم القيامة بلجام من نار))، ونحن على يقين من أن وظيفتنا هذه عظيمة، وموقفنا أمام الله أعظم، وأن هذه الحياة لا تَزِن عند الله جناح بعوضة، ولا تغني عن الآخرة فتيلاً، وأنتم عندنا كنفسنا التي بين جنبينا، نحب لكم من الخير ما نحبه لها، ونُبغض لكم من الشر ما نبغض لها، لذا لا نُلقي عليكم إلا ما ندين الله به، ونعتقده حقًّا صراحًا، لا مِراء فيه، لنبرأ إلى الله بأداء ما علمنا غير مكرهين ولا مدفوعين بغرض شخصي، وإنما الحق أحق أن يتبع، وفي بلاغنا هذا ذكرى للذاكرين وهدى للمستبصرين، والله يتولى هدانا أجمعين. الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كانا لنهتدي لولا أن هدانا الله، لقد جاءت رسل ربنا بالحق، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الحائز رتبة لا يمكن أن تلحق، وعلى آله وصحبه والداعين إلى طريق الحق، صلاة وسلامًا دائمين متلازمين، ما الليل غسق، والقمر اتسق. فإننا نعتقد أن الله واحد في ربوبيته واحد في ألوهيته، وواحد في أسمائه وصفاته، فلا خالق ولا رازق ولا محيي ولا مميت ولا مدبر للأمور سواه، ولا معبود بحق في الوجود إلا هو، وهذا معنى لا إله إلا الله، له الأسماء الحسنى والصفات العليا، كما أثبتها لنفسه في كتابه وعلى لسان رسوله، بلا تكييف ولا تحريف، ولا تمثيل ولا تعطيل، وأن الله - سبحانه وتعالى - استوى بذاته على عرشه، علا على خلقه، وهو - سبحانه وتعالى - معهم بعلمه أينما كانوا، يعلم ما هم عاملون، قال تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 180]، وقال تعالى: ﴿ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ ﴾ [الملك: 16، 17]، وقال تعالى: ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [طه: 5]، قال فيها الإمام مالك: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة"، وقال - صلى الله عليه وسلم - للجارية: ((أين الله؟))، فقالت: في السماء، قال: ((مَن أنا؟))، قالت: أنت رسول الله قال: ((اعتقها؛ فإنها مؤمنة))، ونعوذ بالله من أن نظن أن السماء تقله أو تظله، فهو الذي يمسك السموات والأرض أن تزولا، وقد وسع كرسيه السموات والأرض، ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم. ونعتقد أن عبادة غير الله شرك أكبر، وأن دعاء غير الله من الأموات والغائبين وحبه كحبِّ الله وخوفه ورجائه، ونحو ذلك شرك أكبر، وسواء دعاه دعاء عبادة أو دعاء استعانة في شدة أو رخاء، فإن الدعاء مخ العبادة، وسواء دعاه لجلب النفع أو لدفع الضر، أو دعاه لطلب الشفاعة أو ليُقربه إلى الله، أو دعاه تقليدًا لآبائه أو أسلافه أو لغيرهم، والأدلة على ذلك في كتاب الله كثيرة جدًّا، منها قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ ﴾ [المؤمنون: 117] الآية. وأن اعتقاد أن لشيء من الأشياء سلطانًا على ما خرج عن قدرة المخلوقين شرك أكبر[1]، وأن من عظم غير الله مستعينًا به فيما لا يقدر عليه إلا الله، كالاستنصار في الحرب بغير قوة الجيوش، والاستشفاء من الأمراض بغير الأدوية التي هدانا الله لها، والاستعانة على السعادة الأخروية أو الدنيوية بغير الطرق والسنن التي شرعها الله لنا، يكون مشركًا شركًا أكبر، وأن الشفاعة مِلْك الله وحده، ولا تكون إلا لمن أذن الله له: ﴿ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى ﴾ [الأنبياء: 28]، ولا يرضى الله إلا عمن اتبع رسله، فنطلبها من الله مالكها، فنقول: اللهم شفع فينا نبيك مثلاً، ولا نقول: يا رسول الله اشفع لنا؛ فذلك لم يرد به كتاب ولا سنة، ولا عمل سلف، ولا صدر ممن يوثق به من المسلمين[2]، ونبرأ إلى الله أن نتخذ واسطة تقربنا إلى الله أو تشفع لنا عنده فنكون ممن قال الله فيهم، وقد أقروا بربوبيته وأشركوا بعبادته: ﴿ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا ﴾ [يونس: 18]، وحكى الله عنهم قولهم: ﴿ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ﴾ [الزمر: 3]، أو نكون ممن قلدوا آباءهم في أصل الدين، فكانوا أضل من الأنعام، وهم الذين قال الله فيهم: ﴿ بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الزخرف: 22]، فوصفهم بقوله: ﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ [الفرقان: 44]، إذ عطلوا تلك المواهب التي أوعت فيهم ولو خلوا بأنفسهم برهة، أطلقوا فيها لتلك المواهب سراحها لأدركت من آيات الله ما يرشدهم إلى سواء السبيل. ونتوسل إلى الله، أي نتقرَّب إليه بطاعته، وهو معنى الوسيلة في القرآن، ونطلب الوسيلة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما ورد في الحديث الصحيح ((من قال - حين يسمع النداء -: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه المقام المحمود الذي وعدته، حلت له شفاعتي))، وورد في تفسير هذه الوسيلة في حديث ((سلوا الله لي الوسيلة فإنها درجة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون ذلك العبد)). وأما التوسل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - الذي ورد في قول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: ((اللهم إنا كنا إذا أجدبنا توسلنا إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا)) فتوسل بدعائه - صلى الله عليه وسلم - وهو خاص بحال حياته، ولهذا عدل عمر - رضي الله عنه - بعد مماته - صلى الله عليه وسلم - إلى التوسل بدعاء عمه العباس، والتوسل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة يكون بشفاعته، وأما التوسل بمعنى غير ذلك فليس بشرعي. وزيارتنا القبور إنما هي لأجل الدعاء للموتى وتذكر الآخرة، وحسبنا أن نلقي عليكم ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلمه أصحابه ليقولوه إذا زاروا القبور وهو ((السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، ويرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم)). واعلموا أن زيارة القبور على ثلاثة أنواع: شرعية، وبدعية، وشركية، فالشرعية: هي التي يقصد بها تذكر الآخرة، والدعاء للميت، واتباع السنة، والبدعية: هي التي يقصد بها عبادة الله عند القبور، كما يفعله جهلة الناس، لظنهم أن للعبادة عندها مزية على العبادة في المساجد التي هي أحب البقاع إلى الله[3]، وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في عدة أحاديث النهي عن الصلاة عند القبور واتخاذها مساجد، والشركية هي التي يقصد منها تعظيم القبور ودعاؤها والذبح لها أو النذر لها أو غير ذلك من العبادات التي لا تصلح إلا لله، فهذه حقيقة الشرك، والأدلة عليه كثيرة جدًّا، وتقدم بعضها. (تنبيه): قد ينظر البعض إلى هذه المادة على أنها تشدد في الدين، ولكن الأمر متروك للقارئ الفطن وأهل العلم في تمحيص الأفكار والآراء المتعددة بالحجج وبالنقاش الموضوعي. .
عرض المزيد