كتاب بلاغة القرآن الكريم في الإعجاز إعراباً وتفسيراً بإيجاز المجلد الثالث المائدة الأعراف 60
تحميل كتاب بلاغة القرآن الكريم في الإعجاز إعراباً وتفسيراً بإيجاز المجلد الثالث المائدة الأعراف 60 pdf 2001م - 1443هـ لا يمكن أن يكون هناك كلام أروع ، وأدق ، وأبلغ من كلام الله – عز وجل – الذي أنزله على النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – وتحدي ببلاغته وفصاحته العرب ، والعجم ، أن يقدروا على أن يأتوا بأية واحدة مثل آياته ولم يفعلوا ، ولو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله لن يقدروا على ذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، فهذا هو الإعجاز الحقيقي ، فكل آية من آية القرآن بها بلاغة ، وفصاحة وبيان لا يقدر بمال ، ويجب أن يعيش المسلم مع هذه الآيات ، لا أن يقرأها فقط ، وأنما يتدبر في معانيها ، وبلاغتها ، حتى يقدر عظمة كتاب الله – عز وجل – . نماذج من بلاغة القرآن القرآن الكريم يوجد فيه الكثير من النماذج البلاغية التي يمكن أن يتحدى بها العالم كله ومن أمثلة هذه النماذج : لا ترادف في القرآن الكريم يرى أهل اللغة و البلاغة أنه لا ترادف في القرآن الكريم ، وأن الكلمات التي توجد في القرآن الكريم تحتوى على ترادف يوجد في معناها الكثير من الأشياء التي تجعلها غير مترادفة . والترادف هو أن يكون هناك كلمتان أو أكثر مختلفين في اللفظ ، لكن معناهم واحد ، وهذا من بلاغة وفصاحة اللغة العربية . ومن الأمثلة على الفروق البلاغيّة فيما يظَنّ أنّه ترادفٌ في القرآن : الخشية والخوف : حيث أن الخشية والخوف ينظر لهما في الحياة الطبعية على أنهما بمعنى واحد ، ولكن الحقيقة أن لها معنين مختلفين فيقول الله -تعالى-: (وَيَخشَونَ رَبَّهُم وَيَخافونَ سوءَ الحِساب). فأن الخشية هنا معناه أنهم يهابون الله – عز وجل – ويحترمونه ويعظمونه ، أو أما الخوف فهو من الحساب وسوئه . كما جاء في مثال أخر في القرآن الفرق بين العباد والعبيد : فإن الله – عز وجل – عندما يريد أن يتحدث عن عباده المؤمنين فأن يقول لفظ العباد ، أي عباد لله أما حين يطلق اللفظ فأنه يراد به العبيد كلهم المسلم ، والكافر ودليل ذلك قوله تعالى : (وَعِبَادُ الرَّحْمَـنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا)، وعند استخدام لفظ عبيد قال سبحانه : (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ). كذلك فأن لفظ الغيث والمطر قد يظن البعض أنهما بمعنى واحد ولكن في الحقيقة فأن الله – عز وجل – لا يذكر الغيث إلا في مواطن الرحمة والنعيم ولا يذكر المطر في في مواطن الحساب ، والعقاب كما في قوله – تعالى -: ﴿ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ ﴾ ، ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ ﴾ ، ﴿ ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ ﴾ أما عن لفظ المطر ؛ قال – سبحانه -: ﴿ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ﴾ ، وقال – تعالى -: ﴿ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ ﴾ ، وقوله – عز اسمه -: ﴿ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ ﴾ الصور البلاغية في القرآن الكريم التصوير الحسّي المتسلسل قال تعالى: (فَوَرَبِّكَ لَنَحشُرَنَّهُم وَالشَّياطينَ ثُمَّ لَنُحضِرَنَّهُم حَولَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا*ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شيعَةٍ أَيُّهُم أَشَدُّ عَلَى الرَّحمـنِ عِتِيًّا). في هذه الآية الكريمة يجد القارئ أن الله – عز وجل – صور الحساب يوم القيامة بشكل حسي متسلسل من أو الحضور في الموقف للحساب وحتى يدخل أهل النار النار . التخييل الحسي وهو المتمثل في صورة الشيء الذي يتحرك رأي العين ، وكأن القارئ المتدبر ، المتمعن في آيات الله يرى ما يحدث من حركة يصورها الله – عز وجل – في آياته ومن أمثلة ذلك قول الله -عزّ وجلّ-: (وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ)؛ فكلمة اهتزت توحي بأن الأرض عادت لها الحياة بعد موتها وخاصة بعد اتصالها بالضمير التاء. آيات بلاغية في القرآن (حم* تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ* كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ* بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ)، فعندما سمع عتبة بن ربيعة هذه الآيات بهذا الترتيب الرائع ، فائق الدقة ، والجمال ، لم يقدر على وصف هذا الكلام المنزل من قبل الله – عز وجل – وكاد أن يجن من حلاوته ، فلا هو من الشعر وينسبه إليه، ولا من السحر ، والبلاغة في هذه الآيات أن الله – عز وجل – ينقلنا من موضوع إلى أخر دون أن يتغير نسق الآيات ، أو يتبدل النغم الرائع الواقع على الأذان ، ولا يتغير مخاطبة العامة على اختلاف الأزمنة ، والأمكنة . قال تعالى: (قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ)، في البلاغة في هذه الآية تتمثل في النداء في قولها أيها، والتنبيه، والأمر، والنهي، والتخصيص، والعموم، والإعذار، من غير ركاكةٍ في ألفاظ القرآن الكريم ولا تنافر، فلا تشعر أنك قد مللت من الألفاظ أو الآيات وأنت تستمع لها رغم كل ما في الآية من أغراض بلاغية . وفي قصة يوسف -عليه السّلام- قال تعالى : (فَأَكَلَهُ الذِّئبُ وَما أَنتَ بِمُؤمِنٍ لَنا وَلَو كُنّا صادِقينَ) ، ولم يقل الله – عز وجل – فافترسه الذئب لأن الذئب أن افترسه فقط يعني أنه بقى شئ من جسد نبي الله يوسف – عليه السلام – ولكنه قال فأكله الذئب ليدل على عدم بقاء شيء من أثره . وفي قصة موسى -عليه السّلام- مع المرأتين ، قال تعالى : (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ) ، فلا يجوز أن يقال تسعى على استحياء لأن السعي فيه من السرعة ما يجعله على غير استحياء على عكس المشي . أسرار البلاغة في القرآن الكريم الأسرار البلاغية في القرآن الكريم كثيرة جداً ومتنوعة ولا يمكن حصره في مجلدات كبيرة ، ولكن نذكر منها : قوله – تعالى – حكاية عن موسى – عليه السلام – عندما قتل رجلاً من آل فرعون ، وفضح أمره وأراد أن يهرب من المدينة قال – سبحانه وتعالى -: ﴿ فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ ﴾ ، فجاء في الآية الكريم اسم ، وفعل ، وليس فعلين أو أسمين فلم يقل الله – عز وجل – فخرج منها يخاف يترقب ، ولا قال – عز وجل – خائفاً مترقباً ، وأنما عبر عن الخوف بالاسم لأنه يدل على الملازمة ، وهذا لأن الخوف كان ملازماً لسيدنا موسى في هذا الوقت ، أما الترقب فأنه يكون من وقت إلى أخر وليس طوال الوقت يلتفت الشخص حوله ويبحث عن من يراقبه فيترقب فعل مضارع يدل على التجدد والاستمرار . وأنظر إلى اختيار لفظ (آنست) على (أبصرت) في حديث القرآن عن سيدنا موسى – عليه السلام – يقول – سبحانه -: ﴿ فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا ﴾ ، ويمكن لك قبل التأمل أن تشك في أن لفظ أبصرت أفضل في هذا المقام من أفضل من آنست ومناسب له أكثر ، ولكن في حقية الأمر أنك لو تأملت في حال سيدنا كموسى عليه السلام وهو في الصحراء ولا يجد له أن مؤنس يعنيه على مواصلة السير ، والطريقة مظلمة ستجد أن المقام يقضى كقوله تعالى آنست أكثر من أبصرت . القرآن الكريم هو المعجزة الخالدة، وهو أحسن الحديث، وهو في أعلى درجة من الفصاحة، وأرفع رتبة في البلاغة، وفصاحة القرآن وجه من وجوه إعجازه، ولفصاحته العالية، وبلاغته الرفيعة: قال الوليد بن المغيرة لما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ لِقَوْلِهِ الَّذِي يَقُولُ حَلَاوَةً، وَإِنَّ عَلَيْهِ لَطَلَاوَةً". هذا الكتاب يتناول معنى كل سورة من سور القرآن الكريم وجزاء قراءتها، وتسميتها بالشرح والتخريج، وحسب ترتيب الآيات في المصحف، وبعد ذلك إعراب آيات كل سورة بالتفصيل الوافي آيةً آية، وكلمة كلمة، مع تفسيرها وشرح الغامض منها، ووضع حاشية بعد كل آية أو أكثر تتناول تصريف بعض الأفعال ومصادرها، والاستشهاد بالقصص والروايات المسندة، وقبلها بالأحاديث النبوية، وآراء الفقهاء، وأقوال أئمة البلاغة والفصاحة، والحكم والأمثلة العربية المناسبة، واختيار المناسب من الأبيات الشعرية، وسبب نزول معظم الآيات، وبيان أوجه البلاغة وضروبها في بعض الآيات. .
عرض المزيد