كتاب الإستشراق في التأريخ الإشكاليات، الدوافع، التوجهات، الإهتمامات
تحميل كتاب الإستشراق في التأريخ الإشكاليات، الدوافع، التوجهات، الإهتمامات pdf ينظر الكاتب في مؤلفه هذا، وهو ليس كتابه الأول في هذا المجال، إلى الاستشراق بمنظار كلي بهدف تشخيص المراحل التاريخية التي مرت بها الحركة الاستشراقية عبر التاريخ، والوقوف على ما يسمى بمرحلة “ما بعد الاستشراق”، فهو يسعى لرصد المتغيرات الواقعية في المجال الاستشراقي وتحولاته والتلقى العربي أو الإسلامي له عبر مجموعة من المحاور التي تتسم بطابع كلى شمولى. ينقسم الكتاب إلى مقدمة وخمسة أبواب، وخمسة عشر فصلاً تأتي تحت العناوين الآتية: الباب الأول: جدل إبستمولوجى بشأن إشكاليات الاستشراق. الباب الثانى: الاستشراق في التاريخ. لباب الثالث: المستشرقون والسيرة النبوية الباب الرابع: المستشرقون والإسلام. الباب الخامس: إسهامات المستشرقين في دراسة المدينة العربية الإسلامية. الباب السادس: ما بعد الاستشراق. الباب الاول: جدل إبستمولوجى بشأن إشكاليات الاستشراق الفصل الأول: مقدمات واستدراكات المبحث الأول: لماذا كتاب تطور الاستشراق في دراسة التراث الإسلامى؟ أنموذج من الجدل مع الآخر الأكاديمي. يذكر الكاتب في هذا المبحث دوافع اهتمامه بموضوع الاستشراق وتطور هذا الاهتمام خلال مراحل حياته المختلفة. كما أكد الكاتب أنه يتبع منهجاً يختلف عن المنهج السائد في تناول موضوع الاستشراق، حيث المنهج السائد بين معظم الباحثين العرب هو المنهج الهجومي والانفعالي إزاء المستشرقين وربطهم بشكل أساسي بالاستعمار والتبشير، إلا أن الكاتب يتبع منهجاً يصفه بأنه أكثر استقلالية وموضوعية، وهو المنهج القائم على عرض تطور المواقف والاتجاهات الاستشراقية تبعاً للمراحل التاريخية منذ القدم وحتى الوقت الراهن، بما يتضمن عرض الإيجابيات والسلبيات معاً، ودون الاقتصار على بيان السلبيات في تفسيرات المستشرقين ورؤاهم تجاه القرآن الكريم والسيرة النبوية مع إغفال ما حققه المستشرقون من تحقيقات وبحوث هامة، مبيناً أنه في ذلك يقتدى بمن سبقوه من علماء المسلمين في اتباع منهج نقدي تاريخي يفعِل الاستدلال والاستنباط ويطعن في المرويات لبيان الصادق منها من الكاذب، مستشهداً في ذلك بكلام العالم والمؤرخ الكبير الطبرى والعلامة ابن الجوزى وغيرهم من علماء المسلمين، منتقداً بذلك التسليم بالرواية التاريخية التي هيمنت عليها السلطتين الأموية والعباسية رافضاً تعليق مساوئ المرويات على شماعة المستشرقين، وه حسب رأيه مرويات رواها رواة السلطة ومؤرخيها. المبحث الثانى: واقعية العنوان (الاستشراق والتراث العربى الإسلامى) يقدم الكاتب في هذا المبحث عرضاً سريعاً لما سيتناوله في الفصول القادمة بالتفصيل حول دوافع المستشرقين المتنوعة في المراحل التاريخية المختلفة، فكان بعضها ديني تبشيرى، والبعض الآخر سياسي استعماري، كما اختلفت اتجاهاتهم أيضاً في أساليب التناول، فكان منها السلبي الذي يتهم الحضارة الإسلامية بالتقليد والتبعية وعدم الأصالة في المنجزات الحضارية، والبعض الآخر الإيجابى الذي أشاد بأثر الحضارة الإسلامية على الحضارة الأوروبية. ثم ينتقل للحديث عن منجزات المستشرقين والمجهود الذي بذلوه في تعلم اللغات الشرقية لقراءة المخطوطات الإسلامية وتحقيقها، ويشير في هذا الصدد إلى المستشرق الألماني “كارل بروكلمان” وكتابه ” تاريخ الأدب العربي”، فضلاً عن تقديم عدد من الفهارس الهامة مثل موسوعة الفهرست الإسلامي الذي قام بتأليفه المستشرق البريطاني “بيرسون” مستفيداً في ذلك بما قدمه عالم الفهرسة المسلم الرائد ابن النديم، فضلاً عن المعاجم الإسلامية المختلفة. وفي هذا الصدد يشير الكاتب إلى أن الكثير من منجزات المستشرقين -ولا يقصد بذلك أنها كانت إيجابية مائة بالمئة- أصبحت مراجعاً هامة في الكثير من موضوعات التراث الإسلامي. وتحت عنوان جانبي “التراث الإسلامي في نظر المستشرقين” يستكمل الكاتب المبحث مبيناً دوافع المستشرقين المختلفة في الاهتمام بالحضارة الإسلامية في العصور الوسطى وذلك من منطلق كونها حضارة صاعدة مزدهرة تنافس وتتحدى حضارتهم التي كانت في هذا الوقت قوة كبيرة، وعلى إثر ذلك تأسست المعاهد والكراسي في الجامعات لتعليم اللغة العربية، ومن ثم تمكن المستشرقون من القراءة في التراث الإسلامي والكتابة عنه. ثم يعرض الكاتب عرضاً مقتضباً لردود أفعال الباحثين والعلماء المسلمين على الدراسات التي يقوم بها المستشرقون والتعرض إلى الدوافع المحركة لهم على ذلك، ويشير هنا إلى كتاب الدكتورة عائشة عبد الرحمن “تراثنا بين ماض وحاضر”، وكتاب الأستاذ مالك بن نبى “إنتاج المستشرقين وأثره في الفكر الإسلامي الحديث” وغيرهم ممن كتبوا في هذا المضمار، يشير أيضاً إلى ظهور مجموعة أخرى من الدراسات المعنية بالتعريف بالاستشراق وبأعلام المستشرقين وبإنجازاتهم، من مثل الكتاب الذي صنفه الأستاذ نجيب العقيقى “المستشرقون”، وفي هذا الإطار يشير الكاتب إلى أن الدراسات العربية بخصوص الاستشراق منذ السبعينيات تتمثل بمحورين الأول يتعلق بتسليط الضوء على تخرصات المستشرقين وتحريفاتهم للنصوص والتاريخ، والثانى معني بتوصيف الاستشراق كحركة وكوسيلة من وسائل التبشير. ثم ينتهي الكاتب من هذا المبحث بالحديث عن الدراسات والمؤتمرات الأجنبية التي عقدت حول الاستشراق مبيناً أنه منذ سبعينيات القرن الماضى تغيرت الدوافع أو بالأحرى تغيرت المصالح بين الشرق والغرب، بما يستلزم خططاً جديدة للهيمنة تختلف عن الأساليب المباشرة، وفي هذا الإطار اتفق المستشرقون المجتمعون في مؤتمر عقد في فلورنسا عام 1973 على أفضلية التوقف عن استخدام مصطلح الاستشراق بسبب اعتراض عدد من العلماء الشرقيين الذين يعتقدون بأنه مصطلح مسئ لهم، كما نشرت مجموعة من الدراسات الأجنبية التي تنتقد ما قدمه المستشرقون القدامى حول التراث الإسلامى. ويختتم المبحث بتقديم الكاتب مجموعة من الإرشادات المنهجية التي يجب أن يعتني بها الباحثون العرب والمسلمون في دراسة الحركة الاستشراقية، تتضمن ضرورة الاهتمام بالدقة البحثية في نقد الإنتاج الاستشراقي وقراءة النصوص بلغاتها الأصلية، والأخذ في الاعتبار تنوع دوافع المستشرقين وفقاً لكل مرحلة تاريخية ووفقاً أيضاً لكل دولة، وذلك مع عدم إهمال الخلفيات التاريخية والسياق الاجتماعي والثقافي للمستشرق والتي تؤثر في دوافعه. الفصل الثانى:إشكاليات ماثلة بشأن الاستشراق والمستشرقين وحلولها مترجحة بين الوضوح والغموض يتعرض الكاتب في هذا الفصل إلى مجموعة من الإشكاليات المنهجية، فبدأها في المبحث الأول بإشكالية المصطلح، فتناول الإشكاليات المثارة حول مصطلح الاستشراق وأصله اللغوي وبداية استخدامه والخلط بينه وبين مصطلح الاستعراب والمستعرب، الذي يعرفه بأنه العالم الأجنبي الذي يقتصر اهتمامه على اللغة العربية والأدب العربى، وهذا مفهوم أضيق من الاستشراق. ويخلص من مناقشة إشكالية المصطلح وجذوره إلى عدة نقاط، أولها أن بالرغم من ورود كلمة “Orientalism” في القواميس الغربية إلا أنها لا تستخدم للإشارة إلى تلك الحركة الغربية المعنية بدراسة الشرق والحضارة الإسلامية كما هي مستخدمة ومفهومة من قبل العرب، وإنما غاية ما يمكن أن تشير إليه هو معرفة اللغة الشرقية والأدب الشرقى وتاريخه واستخدام هذه المعارف علمياً، وبالتالي يخلص الكاتب إلى أن أكثر المستشرقين الأوروبيين لا يستخدمون مصطلح الاستشراق في دراساتهم ويفضلون استخدام عناوين أخرى مثل (الدراسات العربية الإسلامية)، وقد تجلت هذه الرغبة في المؤتمر المنعقد في باريس عام 1973 حيث قرر المستشرقون عدا من ينتمون للاتحاد السوفيتى والدول الاشتراكية التوقف عن استعمال التعبير (المستشرقون Orientalists). ومن هنا يصل الكاتب إلى نتيجة مفادها أنه من الخطأ على العرب والمسلمين استخدام تعبير الاستشراق، وأن ذلك قد يتضمن خللاً فكرياً ولغوياً وتاريخياً، وأنه من الأفضل الإبقاء على التسميات التي فضلها أصحاب التخصص وعلماء الاستشراق الأوروبي من مثل (الدراسات العربية والإسلامية في مؤلفات الغربيين أو إسهام المستشرقون الغربيون وهكذا)، مضيفاً أنه لابد أيضاً من تجنب الخلط بين المؤرخين الغربيين المهتمين بالتاريخ الإسلامي والمستشرقين، مستدعياً ما قاله المستشرق الألماني فوك الذي جعل الخط الفاصل بين المؤرخ الأوروبي المهتم بالتاريخ الإسلامي والمستشرق هو أن المستشرق لابد أن يكون مؤرخاً متضلعاً باللغات الشرقية والأدب الشرقي، أما المؤرخ فقد يستعين بمن يترجم له ما يحتاجه من نصوص لكنه غير عالم باللغات الأصلية. وانتقل الكاتب في المبحث الثاني والثالث إلى إشكالية الانتماء الديني والهوية القومية وهل المستشرق مبشر؟ فتناول إشكالية رسم حدود واضحة بين المستشرقين وغيرهم، وهي الانتماء القومي، فيذكر حالة المؤرخ اللبناني المسيحي العربي “فيليب حتى” الذي ولد في لبنان ثم هاجر إلى أمريكا وحصل على الجنسية الأمريكية وتابع بحوثه ودراساته حول التاريخ العربي الإسلامى، وهنا يطرح الكاتب تساؤلاً حول مدى صحة اعتبار هذا العالم مستشرق أو مستعرب، خاصة وأنه متاثراً في أطروحاته بالعقلية الغربية. وعلى صعيد آخر يعرض حالات أخرى لعلماء غربيين اعتنقوا الإسلام، ويتابع بأمثلة أخرى تتعرض للانتماءات القومية والدينية لعلماء أجانب غير أوروبيين لديهم اهتمام بالشرق والإسلام متسائلاً حول إمكانية اعتبار كل هؤلاء مستشرقون أم لا، لينتقل إلى أن مصطلح الاستشراق الذي يستخدم بتوسع بين الباحثين العرب والمسلمين لابد من إعادة النظر فيه، نظراً لهذا التشوش الذي يحيط بالتعريف به وبمن تصح تسميته بمستشرق. ثم يختتم الكاتب هذا المبحث ببيان خطأ الاعتقاد الذي يساوي بين المستشرق والمبشر مبيناً أن هذا قد ينطبق على ما ساد الحِقب التي عاصرت العصور الوسطى الأوروبية وما بعد عصر النهضة بقليل، أما فيما بعد ذلك فإن التبشير كمؤسسة قد ولى عهدها ولا يصح حينئذ مساواة المستشرق بالمبشِر، ولكن على الرغم من ذلك يشير إلى أن التبشير الفعلي لم يتوقف ولكن اتخذ وسائل مختلفة عما كانت سابقاً. ثم تناول الكاتب انقسام الموقف الفكري العربي من المستشرقين بين الناقدين والمادحين، مبيناً دوافع الموقف العربي الإسلامي الحاد من المستشرقين وأن هذا الموقف له ما يبرره، فيذكر موقف الحركة الاستشراقية في العصور الوسطى الموجه ضد ديننا ونبينا ﷺ وتاريخنا، ثم مشاطرتها في القرن العشرين موجة السياسات الاستعمارية الأجنبية للعالم العربي والإسلامي، وهذا مما يبرر الموقف العربي والإسلامي منه، إلا أنه يعود وينتقد هذا الموقف الذي بالرغم أن له ما يبرره إلا أن هذه الدوافع العاطفية جعلت من الدراسات العربية والإسلامية مشحونة بالعاطفة وبعيدة عن العقلانية في تناولها موضوع الاستشراق، رافضاً بذلك موقف الدفاع الذي يهيمن على الدراسات العربية والإسلامية نحو الاستشراق، داعياً إلى دراسة الغرب دينياً وتبشيرياً وحضارياً، فيدعو إلى عرض آراءنا بلغة تصل إليهم وباتباع منهج علمي بحثي حقيقي ثم نتركهم يدافعوا عن أنفسهم. ثم يعود الكاتب مرة آخرى لمسألة التشابك بين الاستشراق والتبشير مبيناً أن التبشير -كمؤسسة- ارتبط بالحروب الصليبية، وأعاد التأكيد على عدم صحة المساواة بين المستشرق والمبشر الديني، ثم يختتم المبحث بدعوة الباحثين من العرب والمسلمين إلى ضرورة الاستماع للآخر والتعرض لأفكاره بالمناقشة العلمية وأن الرفض التام تؤثر بالسلب على ميداننا المعرفي، مبيناً أهمية توسعة المدارك بأن المستشرقين تختلف دوافعهم وأفكارهم ومعتقداتهم فلا يصح قولبتهم في قالب واحد، فمنهم المبشرون ومنهم العلمانيون ومنهم الملحدون ومنهم من تحركه الدوافع السياسية أو الاستخباراتية أو غير ذلك، وعلى الصعيد الآخر منهم مثقفون منصفون محبون للاطلاع على ديننا، وجاء الكاتب باستشهادات من بعض المستشرقين مثل فرانسيسكو جبرييلي ومونتجمري وات الذين انتقدوا دراسات المستشرق هنري لامانس لتحاملها الشديد غير الموضوعي ضد الإسلام. ومن ثم لا بد من فهم هذا وأخذه في الاعتبار من قبل علمائنا وباحثينا عند التعاطي مع الاستشراق والمستشرقين. يتعرض الكاتب في المبحث الرابع من هذا الفصل إلى إشكالية هامة تتعلق بالتحيز الأيديولوجي والفكري للمستشرقين والتي تدفعهم إلى تناول بعض الموضوعات الخاصة بديننا أو نبينا أو تاريخنا من خلال فكرة مسبقة أو تحيز أيديولجي أو مذهبي مسبق، مما يؤثر على رؤيتهم وتفسيرهم للأحداث، ويجعلهم لا يفرقون أحياناً بين الروايات وبعضها، فيستندون أحياناً إلى روايات ضعيفة تدعم فكرتهم. وفي المبحث الخامس والأخير من هذا الفصل تناول الكاتب إشكالية تاريخية ظهور مصطلح “الاستشراق”، ويرى أن السائد في الكتابات العربية يفيد بأن استخدام المصطلح وشيوعه يرتبط ارتباطاً جدلياً بالاستعمار ولا سيما الاستعمار البريطانى في نهاية القرن التاسع عشر، وهنا يعرض الكاتب عرضاً كرونولوجياً لتواريخ استخدام المصطلح في المعاجم والقواميس الأوروبية ليصل إلى بيان خطأ التصور الشائع في الكتابات العربية والإسلامية حول بداية ظهور مصطلح الاستشراق، مبيناً أن أول ظهور للمصطلح في قاموس أكسفورد كان عام 1767، هذا مع الأخذ في الاعتبار التتبع التاريخي للعلاقات السياسية والاقتصادية بين الغرب ما قبل المسيحي والمسيحي وبين الشرق ما قبل الإسلامي والإسلامي، وأن هذا التتبع للتحولات التاريخية بينهم يعد مقدمة ضرورية لظهور المؤلفات التي تناولت تاريخ الشرق أو تاريخ العرب والمسلمين وأنها تعد أيضاً كتابات ومؤلفات استشراقية. .
عرض المزيد