كتاب شرور اللسان
تحميل كتاب شرور اللسان pdf اللسان من أهم الجوارح وأعظمها خطرًا على الإنسان لأنه عضو الكلام الذي يكشف به المرء عن عقله، ويظهر ما في داخله من خير أو شر، كما قيل. تعاهد لسانك إن اللسان سريع إلى المرء في قتله وهذا اللسان بريد الفؤاد يدل الرجال على عقله فاللسان هو الجسر الذي ينتهي بالعبد إما إلى الجنة وإما إلى النار، فهو سبيل النجاة وطريق الهلاك، وهو عنوان السعادة ودليل الشقاء، به يذكر العبد ربه ويشكره ويثني عليه ويتلو كتابه، ويصلي على نبيه - صلى الله عليه وسلم -، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويقول الحق ويأمر بالصدق. وبه كذلك يكذب ويغتاب وينم ويشهد شهادة الزور ويسب ويلعن ويقول الخنا ويتكلم بالباطل ويأمر بالفسق وينهى عن العدل. ونظرًا لخطورة هذا العضو وانتشار آفاته بين الناس أحببنا أن نذكر أنفسنا وإخواننا بتلك الآفات مع الإشارة إلى ضررها على العبد في دينه ودنياه، لعل ذلك يكون باعثًا على ترك تلك الآفات، وسبيلاً إلى إصلاح ما فات، وطريقًا إلى التوبة إلى الله تعالى منها قبل الممات. والله ولي التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل. وجوب حفظ اللسان قال الله تعالى: ﴿ما يلفظ من قولٍ إلا لديه رقيب عتيد﴾ [ق: 18]. قال الحافظ ابن كثير: أي ما يتكلم ابن آدم بكلمة إلا ولها من يرقبها، معـد لذلك يكتبها، لا يترك كلمة ولا حركة، كما قال تعالى: ﴿وإن عليكم لحافظين * كرامًا كاتبين * يعلمون ما تفعلون﴾ [الانفطار 10-12]. وقال تعالى: ﴿ما يلفظ من قولٍ إلا لديه رقيب عتيد﴾ [ق: 18]. فينبغي على العاقل أن يتعاهد لسانه بالتنقية والتطهير، ولا يتكلم إلا بما ظهرت مصلحته ولاحت للعيان فائدته، وهذا ليس بالأمر الهين، بل إنه يحتاج إلى مجاهدة شاقة للنفس، حتى تتعود الخير ويكون سجيةً لها، وتنفر من الشر ويكون بغيضًا لها. قال محمد بن واسع لمالك بن دينار: يا أبا يحيى، حفظ اللسان أشد على الناس من حفظ الدينار. وخاطب ابن عباس رضي الله عنه لسانه قائلاً: يا لسان، قل خيرًا تغنم، أو اسكت عن شر تسلم. وقال بعض البلغاء: كلام المرء بيان فضله وترجمان عقله، فاقصره على الجميل واقتصر منه على القليل. قال الشاعر: وزن الكلام إذا نطقت فإنما يبدي عيوب ذوي العيوب المنطق متى تتكلم؟ بين الإمام النووي رحمه الله حدود الكلام والصمت فقال: اعلم أنه ينبغي لكل مكلفٍ أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام، إلا كلامًا ظهرت فيه المصلحة، فالسنة الإمساك عنه، لأنه قد يجر الكلام المباح إلى حرامٍ أو مكروه. الصمت أزين بالفتى من منطقٍ في غير حينه ورتب الماوردي للكلام شروطًا أربعة إذا استوفاها الإنسان تكلم وإلا فلا؛ وهي: الشرط الأول- أن يكون الكلام لداعٍ يدعو إليه، إما في اجتلاب نفع أو دفع ضرر. الشرط الثاني- أن يأتي به في موضعه، ويتوخى به إصابة فرصته. الشرط الثالث- أن يقتصر منه على قدر حاجته. الشرط الرابع- أن يختار اللفظ الذي يتكلم به. احفظ لسانك أيها الإنسان لا يلدغنك إنه ثعبان! كم في المقابر من صريع لسانه كانت تهاب لقاءه الشجعان! ولما تكلم الإمام ابن القيم رحمه الله عن خطر اللسان قال: وأما اللفظات فحفظها بألا يخرج لفظة ضائعة، بل لا يتكلم إلا فيما يرجو فيه الربح والزيادة في دينه، فإذا أراد أن يتكلم بالكلمة نظر هل فيها ربح وفائدة أم لا؟ فإن لم يكن فيها ربح أمسك عنها، وإن كان فيها ربح نظر: هل تفوته بها كلمة هي أربح منها فلا يضيعها بهذه؟ وإذا أردت أن تستدل على ما في القلوب فاستدل عليه بحركة اللسان، فإنه يطلعك على ما في القلب، شاء صاحبه أم أبى .. قال يحيى بن معاذ: القلوب كالقدور تغلي بما فيها، وألسنتها مغارفها. قال أبو تمام: ومما كانت الحكماء قالت لسان المرء من تبع الفؤاد فا فاتق الله أخي المسلم في نفسك، واحفظ لسانك من الباطل بجميع أنواعه، واعلم أنك مسوؤل أمام الله تعالى عما يصدر عنك من أقوال: ﴿يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون﴾ [النور: 24]. أحاديث نبوية في خطر اللسان ووجوب حفظه أخي المسلم: ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحاديث كثيرة تبين خطر اللسان وتدعو إلى كف شره والاحتراز من إطلاقه وإرساله دون زمام أو ضابط، ومن ذلك: 1- عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها، يزل بها إلى النار أبعد مما بين المشرق والمغرب»([1]). 2- وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، ما النجاة؟ قال: «أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك»([2]). 3- وسأل سفيان بن عبد الله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أخوف ما يخاف عليه، فأخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - بلسان نفسه ثم قال: «هذا»([3]). 4- وسئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أكثر ما يدخل الناس النار فقال: «الفم والفرج»([4]). 5- ولما سأله معاذ رضي الله عنه عن العمل الذي يدخله الجنة، ويباعده عن النار أخبره النبي - صلى الله عليه وسلم - برأسه وعموده وذروة سنامه ثم قال: «ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟» قال: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسان نفسه ثم قال: «كف عليك هذا» فقال معاذ: وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: «ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس في النار على وجوههم - أو قال: على مناخرهم - إلا حصائد ألسنتهم؟»([5]). 6- وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله؛ فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب، وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي»([6]). 7- وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من وقاه الله شر ما بين لحييه وشر ما بين رجليه دخل الجنة»([7]). 8- وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن جميع أعضاء الإنسان تخاطب اللسان كل صباح قائلة: «اتق الله فينا، فإنما نحن بك، فإذا استقمت استقمنا وإن اعوجت اعوججنا»([8]). .
عرض المزيد