كتاب اعترافات فتى العصر
تحميل كتاب اعترافات فتى العصر pdf تتعرض الرواية في فصليها الأول والثاني للظروف الزمكانية عبر أقوال وصفية عن أوربا والحرية والثورة والحرب ونابليون والشعب والبابا والشعر ومبدعي العصر أمثال (جوته، بيرون، مونتسيكو) ثم يتولى تقديم الرواية سارد عالم الحكي الداخلي ليقدم لنا نصًا متجانسًا يوغل خلاله في الوصف والتعبير الشاعري، يثبت فيه حوارات تصلح –على طولها- للاقتباس، ثم يتحول السرد إلى لسان سارد عالم الحكي الخارجي، و في الفصل السابع والأخير، وليس هذا الاتكاء على النوع الأول بسبب رتابة الفن السردي في ذلك العصر بقدر ما هو استخدام للأنسب في الاعتراف والبوح، تبدأ الأحداث ويتعرض أوكتاف لصدمة من العيار الثقيل تتمثل في خيانة خليلته ما يجعله أشبه بورقة في رياح العصر القارسة، تلقيه نحو ديجنه بوصفه الصديق المخلّص فيعيد تشكيل حياته كمقلد، لا تنتهي أيامه إلاّ على بؤس داخلي، ومن ثم يحدث أمر جلل يرجع له بعض صوابه ويضعه على طريق حب جديد مع بريجيت التي تكبره سنًا، وتعيش معه قصة حب عنيفة رغم هدوئها تنتهي على غير المتوقع، لقد كان أوكتاف مفتونًا بجمال العالم ورحابته، فأحاله طارئ إلى يائس متشظٍ يعاني ما يعاني من شك وعذاب، ليكون الشفاء أخيرًا بالتضحية! يبدو أن البشرية كتبت تاريخها ذات مرة، وما انفكت إلى الآن تجتره بتنويعات عديدة، كتبت هذه الرواية في مرحلة وقفت فيها أوروبا منهكة على جثة هامدة خلفتها الحروب والنزاعات، وقد تم نشرها عام 1836 وقد بلغ دي موسيه السادسة والعشرين من العمر، منطقًا بطله (أوكتاف) باعترافات لا تحيل إلى الذنوب بقدر ما تحيل إلى الأدواء والعلل والصراعات التي انطوت عليها سريرته وعلى شدة التشابه بين أحداثها وأحداث حياة مؤلفها نفسه فإنه لزام علينا أن نتاولها بوصفها رواية لا سيرة ذاتية؛ فلا المسمى يسمح لنا ولا المعالجة ولا حتى التفاصيل، وإن كان قد اقتبس من حياته الواقعية فلا جرم، إذ أنه ليس الروائي الأول ولا الأخير الذي يفعل هذا، ولا يقتبس لرغبته في نشر قصة ذاتية تخلو من العبرة إنما يسوقها في إطار العصر وظروفه وتفاعلات أحداثه في نفس كل يافع. وقد تفادى دي موسيه بعض هذا الظن فاستهل الرواية بجملة (لا يدون تاريخ حياته من لم يبتلِ الحياة، فما اكتبه ليس تاريخًا لحياتي) ولعلها تصدر عن نفَسَي دي موسيه وأوكتاف متحدين، فهي تتوخى سرد الحالة العامة المؤرقة المتمحورة حول داء العصر بوصفه أصلاً للتشرذمات المتحصلة وجذرًا للشرور المتأصلة. يشكل العنوان عتبة نصية دالة قد تضع الرواية على مقربة من اعترافات روسو، وتسمي صاحبها (فتى العصر) فتنكّره لتعرِّفه بعصره، فهو العلة والداء، لا يترك لفتوته الكثير بل يوحّد حاله وأبناء جيله، لفرط ما يقودهم ويحدد مصائرهم، إلاّ أن أوكتاف أخيرًا يتوقف عن خضوعه للمرض، معلنًا قدرته على رسم المصير رغم مشاركة العصر في تشكيل عوالمه الداخلية والخارجية.
عرض المزيد