كتاب الدراسات التربوية للقرآن الكريم الواقع والمأمول
تحميل كتاب الدراسات التربوية للقرآن الكريم الواقع والمأمول pdf دراسة بعنوان: «الدراسات التربوية للقرآن الكريم الواقع والمأمول» -2013-، للباحث: سلطان مسفر مبارك الصاعدي، ألقى الضوء على بعض الدراسات التربوية التي تناولت القرآن الكريم بالبحث والدراسة، في محاولة لتحديد بعض جوانب القصور والخطأ والزلل وأسبابها، مستعينًا على ذلك كله بتوفيق الله عز وجل، راجيًا من الله التوفيق والسداد وأن يجنبنا الخطأ والزلل. خصائص التربية للقرآن الكريم أنها تربية ربانية المصدر والغاية. أنها تربية شاملة ومتكاملة ومتوازنة، تشمل التربية الدينية والدنيوية وتتوازن فيها الحاجات الجسدية والنفسية والانفعالية والعقلية. أنها تربية إنسانية واجتماعية وواقعية، فهي تهتم بتربية الإنسان فرديًا واجتماعيًا تربية واقعية لا افتراضية أو خيالية، أو تربية نموذجية لا تراعي ظروف الزمان المكان والأشخاص. أنها تربية مستمرة دائمة، تهتم بالفرد من الميلاد إلى اللحد، بل تتجاوز في صورتها هذا الزمان للاهتمام بالفرد باختيار الأم الصالحة والمنبت الصالحة، والعناية به جنينًا في بطن أمه. واقع الدراسات التربوية للقرآن الكريم تزخر المكتبات التربوية في عديد من الجامعات بعناوين كثيرة لدراسات تربوية تناولت النص القرآني، وتختلف هذه العناوين من حيث شمولها وأصالتها، إلا أن النسق العام لكثير من الدراسات يتسم بالعموم والتفخيم، مما يوحي للقارئ بجدوى هذه الدراسة وأهميتها، إلا أن الواقع وما تحتويه صفحات هذه الدراسة غالبًا ما يتسم بالبساطة والسطحية في الطرح، وما ذلك إلا تعزيزًا لما أسلفنا أن غالبية من يتناول هذه المواضيع هم من غير المتخصصين، لذا تجد في عناوينهم التكرار والتشابه، فمثلًا، قد يتناول باحث دراسة بعنوان (المضامين التربوية في سورة البقرة)، فيأتي من بعده ويقترح عنوان (المضامين التربوية في سورة آل عمران)، وهكذا حتى تصل إلى آخر سورة القرآن في تقليد مقيت ينم عن عدم الجدية والرغبة في العنوان، ويتبعه أيضًا عدم الجدية في الطرح والتناول، في أخطاء كثيرة نتناولها– بإذن الله تعالى– في الصفحات التالية: الخطأ والتقصير في عنوان الدراسة أو البحث: عنوان البحث الواجهة الأولى للقارئ، وهو بمثابة عقد اتفاق بين القارئ والكاتب أو الباحث والكلية للحصول على الشهادة العلمية، والإخلال به يعد إخلالًا بالأمانة العلمية والله سبحانه وتعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]، ولاختيار العنوان أسس وضوابط موجودة في فنها، ويكثر التقصير في اختيار العنوان التربوي للنص القرآني، ولعل أبرز معالم التقصير ما يلي: تكرار العناوين من غير دراية؛ إن المتتبع للعناوين في مثل هذه الدراسات يجدها لا تخرج عن المصطلحات التالية: (المضامين– المبادئ– الدلالات، التوجيهات– المدلولات)، والمتحري لهذه العناوين يجدها تشترك في جوانب عديدة، منها: الجانب الفضفاض الواسع، التي لا تقيد الباحث بل تعطيه مساحة واسعة للتناول والطرح، ولا تعطي انطباعًا حقيقيًا للقارئ عن محتوى الدراسة أو البحث. وتأكيدًا لما سبق تجد أن خطط البحث ومحتويات الدراسة أشبه ما تكون بالمواضيع المتفرقة التي لا يربطها رابط سوى دفتي البحث أو الدراسة، فمثلًا دراسة بعنوان المبادئ التربوية المستنبطة من آيات خلق الإنسان في القرآن، مجموع صفحاتها 175 صفحة، وعدد فصولها ستة فصول، كان نصيب فصل خلق الإنسان ومراحله 34 صفحة، ونصيب الفصول التربوية الأساسية الثلاثة على النحو التالي: المبادئ التربوية في الجانب العقدي 27 صفحة، والمبادئ التربوية في جانب المعاملات 20 صفحة، والمبادئ التربوية في جانب الأخلاق 29 صفحة؛ هذا إذا سلمنا بوجود فرق بين الفصلين الآخرين، فالأخلاق جزء من المعاملات، مع إدخال مباحث لا تمت لا للفصل ولا للبحث بصلة كمبحث مبدأ أخلاقيات طلب العلم في فصل المبادئ التربوية في جانب الأخلاق. ومن صور التقصير والأخطاء في العناوين التربوية للدراسات القرآنية اشتمالها على صيغة الاستغراق لجميع المضامين، وذلك ما توحيه (أل) الدالة على الاستغراق في كلمة مثلًا: المضامين أو المبادئ، مع أن المضمون لا يحتوي إلا بعض المضامين والمبادئ، وأنّى لبشر أن يصل لشيء من ذلك أو قريب منه، مع أن بعض العناوين قد تحذف (أل) الدالة على الاستغراق، أو تضيق كلمة بعض لتجنب هذا الاستغراق غير المتحقق على أرضية البحث. ومن الأخطاء أيضًا إدراج كلمات من قبيل الحشو الزائد الذي لا يفيد للعنوان شيئًا وفي الاستغناء عنه إمكانية حيث إن هذه الكلمات المدرجة لا تعطي فرقًا واضحًا بينها وبين العنوان الخالي منها، مثل كلمة (ضوء) في العنوان، فيكون العنوان مثلًا (المضامين... في ضوء القرآن الكريم، وأتساءل هنا ما الفرق بين العنوان السابق، وعنوان دراسة بعنوان مثلًا (المضامين... في القرآن الكريم). ومن الملاحظات على العناوين أيضًا عدم تحديد التخصص في العنوان، فتجد العنوان الواحد تتجاذبه تخصصات كثيرة لا تتوفر في باحث واحد، فتجد أن العناوين لأغلب الدراسات تتناول الجانب التربوي القائم على الجانب التفسيري، وبعض العناوين قد تتجاوز ذلك، فتجد في العنوان ثلاثة تخصصات كرسالة (العقيدة في السور المكية وتوجيهاتها التربوية)، ونحن وإن سلمنا أن العلوم رحم فيما بينها، إلا أن ظروف التخصص الحديث وتوسع العلوم تجعل الجمع بين مثل هذه الفنون نادر جدًا، وهو ما قاد لكثير من الملاحظات والتوجيهات في مثل هذا البحث. ومن الملاحظات أيضًا، استخدام مصطلحات حديثة غير محررة، وإلصاقها بالقرآن الكريم، كعنوان (منهج القرآن في تقديم الوسائل التعليمية)، فمصطلح الوسائل التعليمية مصطلح وافد في اللغة العربية والشرع المطهر غنيه عنه، فهذه اللفظة مثلًا لا تجدها في الكتاب ولا في السنة، فكيف نزعم أن للقرآن منج في تقديمها، وكذلك مصطلح العصف الذهني وإلصاقه بالقرآن الكريم، وهو مصطلح قائم على تقنية تعطي مساحة لطرح عدة أفكار تتسم بالكثرة والتنوع وعدم النقد، تخضع لمحكات متفق عليها للخروج بالرأي الأنسب، وقد تكون العناوين متخصصة جدًا بحيث لا يفهمها القارئ لحداثتها مثل: (سيميائية نوازع النفس في القرآن الكريم). التقصير في خدمة النص القرآني من حيث الشكل والإخراج: النص القرآني بالخط العثماني من شروط قبول القراءة، وإهمالها في الرسائل العلمية خطر عظيم، فالرسم الإملائي لا يغني عن النص القرآني بالخط العثماني، ولا ينبغي أن يزاحمه، خاصة في الرسائل العلمية المتناولة للنص القرآني مباشرة استنباطًا واستدلالًا، وقد مكنت التقنية الحديثة الباحث من إدراج النص القرآني بالخط العثماني بكل يسر وسهولة. ومن الملاحظ أن عددًا من الرسائل ليس بالقليل، وبسبب التقنية التي تخدم من جانب وتهدم من جانب، أن النص القرآني قد تحول إلى رموز وأشكال هندسية وحروف أعجمية، وهذا الخط قد مر على الرسالة كاملة فلا تكاد تقرأ نصًا واحدًا من النصوص القرآنية المدرجة، مع أن هذه النسخة تم الحصول عليها من الموقع الرسمي للجامعات. ومن الملاحظات أيضًا إدراج النص القرآني داخل نص البحث من غير تمييز، وهي وإن كانت محل نظر واجتهاد إلا أن الأحرى تميز النص القرآني عن نص البحث إما بسطر جديد أو (تغميق) للخط، ومن غير المقبول أيضًا تقطيع الآيات تقطيعًا مخلًا بإدراج التفسير داخلها بصورة تذهب جمال وإعجاز التعبير القرآني. ومن الملاحظات في خدمة النص القرآني، التقصير في الإشارة للسورة والآية، فجل البحوث تشير باسم السورة متبوعًا برقم يدل على الآية، هكذا (البقرة: 22)، والأكمل ذكر كلمة (سورة وآية) في الإشارة، وهذا سهل متيسر بفضل التقنية اليوم ولا تكلف الباحث سوى ضبط إعدادات الإدراج للنص القرآني. الخطأ في منهج الاستنباط والاستدلال: الاستنباط من الكتاب العزيز له منهج مقرر، فليس النص القرآني حمى مستباح لكل أحد أن يقول فيه ما يقول، أو أن تتجاذبه فهوم أقوام على أهوائهم وأذواقهم، فمن المخول بالتوقيع عن رب العالمين، وأي سماء تُظل أو أرض تٌقل لشخص قال فيه بغير علم ولا هدى ولا بصيرة، ولما تسور على كتاب الله من لم يتأهل لذلك انحرف طريق الاستنباط عن الجادة التي سنها السلف الصالح رحمهم الله تعالى. ولا بد للشخص المتصدر للاستنباط التربوي من توفر أربعة شروط، منها: صحة الاعتقاد، ومعرفة التفسير الصحيح، والإلمام باللغة العربية، مع توخي منهج وطرق الاستنباط المقررة في كتب أصول التفسير ومناهج الاستدلال. ومن الملاحظات، وهي قطب رحى المسألة وعمودها القائم على عوج، الاعتماد على مصادر غير أصيلة في التفسير وعلومه، فتجد باحثًا مثلًا يأخذ عد آيات السور المتناولة بالبحث من مرجع متأخر، وكأن المصاحف التي بين أيدينا لم تبين عدد الآيات، ولا في الكتب المتقدمة غنية وكفاية، وهي– أي عد الآي– كما قال الشاطبي في نظمه: وليست رؤوسُ الآيِ خافيةً على ............. ذكيٍ بها يهتم في غالبِ الأمرِ ومنها الاعتماد على مراجع حديثة وإهمال مصادر وأمهات كتب التفسير، فنجد رسالة تربوية في القرآن الكريم مثلًا، عدد مراجعها تجاوز المائة الواحدة، كان نصيب التفاسير منها أقل من عشرة مراجع، وفي أغلبها الأعم مراجع حديثة، مع إغفال لمصادر أساسية لا غنى عنها لبحث تناول كتاب الله العزيز بالبحث والاستنباط كتفسير الطبري والقرطبي وابن كثير رحمهم الله جميعا، أو تقديم الكتب المتأخر في الاستدلال والاستشهاد على الكتب المتقدمة، كما جاء تناول سبب نزول سورة عبس، حيث رجع الباحث للمرجع الأول لكتاب أضواء البيان للشنقيطي، ثم أردفه بتفسير القرطبي وابن كثير، وهي منهجية خاطئة في تقديم المراجع على المصادر، بل ليس لذكر المرجع المتأخر أية فائدة مع المصادر المتقدمة؛ لأنها هي الأساس وما بعدها إنما استقى منها، وخاصة في سبب النزول الذي هو من قبيل الرواية وليس من قبيل الدراية والاستنباط. بل والأدهى والأمر من ذلك الجهل بكتب أمهات التفاسير، وصوره عديدة منها على سبيل المثال: باحث أورد تفسير ابن كثير في المراجع والمصادر مرتين ظنًا منه أنه كتابين لشخصين مختلفين، لأن الأول موسوم باسم: (ابن كثير، إسماعيل: تفسير القرآن العظيم)، والثاني باسم: (أبو الفداء، إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي، تفسير ابن كثير)، وتكرر هذا الخطأ– ولكن بصورة أكثر قتامة– مع رسالة دكتوراه، كررت فيها الباحثة المرجع مرتين، مرة في المصادر وأخرى في المراجع. ومن الباحثين من نسب تفسيرًا لابن عباس، وفي الحقيقة ما هو إلا جمع لرواياته في التفسير ليس تفسيرًا على الطريقة الحديثة لكتب التفاسير، كما جاء في المراجع بعنوان: (عبد الله بن عباس: تنوير المقباس من تفسير ابن عباس)، والكتاب للفيروز آبادي محمد بن يعقوب بن محمد صاحب القاموس، جمعه عن ابن عباس من طريق ضعيف. ومن صور الجهل بأمهات كتب التفسير ما جاء عن باحث حيث جعل كتاب التفسير في جامع الترمذي مرجعًا مستقلًا في المراجع، فجعله على صفة كتب التفسير المطبوعة فأورد له رقمًا مستقلًا في المراجع موسوم بـ (الترمذي، أبو عيسى محمد بن عيسى: كتاب تفسير القرآن عن رسول الله)، غير ذكره لجامع الترمذي في مرجع مستقل. وأخيرًا نختم بما يختم به الباحث بحثه، فغالب النتائج والتوصيات والمقترحات لا تتصل للموضوع بصلة، ولا تسهم في تأسيس علمي جيد ولا تأصيل رشيد، بل هو تكرار استمراه الباحثون واستسلم له المشرفون والمناقشون حتى أصبحت الصيغة أشبه بـ (النموذج) المعد لختم الرسالة والبحث، حيث تكثر عبارة (حوت سورة (كذا) على مضامين تربوية)، و (يوصي الباحث بدراسة مشابهه لهذه الدراسة على سور أخرى)، و (يقترح الباحث تدريس منهج يهتم بالمضامين التربوية في الصفوف المدرسية)، والمأمول من هذه الدراسات الخروج بنتائج تأصيلية وإجرائية تُثْرِي الجانب التربوي والاجتماعي. .
عرض المزيد