رواية صلاة من أجل العائلة
تحميل رواية صلاة من أجل العائلة pdf "والدة أنطوان تعاملني بجفاء وإستعلاء، ما إن تلاحظ إهتمام أنطوان بي، معاملة لن تبدلها سنين زواجنا ولا بعدنا عنهم، حتى وهي عجوز لم أرها يوماً دون تبرج أو دون تصفيف شعر. بعد عشرة أيام من سكناهم عند جيراننا، تستأجر عائلته شاليهاً في جونيه وتنتقل، بكيت وحدي، ليالي لا أنام فيها، لا آكل، أمكث في ثياب النوم، تحزر أمي ما بي كالعادة، لا تحاول إستدراجي. قلقها يتركز على صحتي، على نحولي الشديد التي تظهره أكثر قامتي الطويلة. عندما أراه داخلاً بيتنا بعد أيام من إنتقالهم تسحرني المفاجأة، أقف دون كلمة. أنسى هيئتي العليلة. لا أذكر أنني نطقت بأكثر من جملة على دعوته إلى حفلة على البيسين. يقول " ترافقين أولاد خالتي جيرانكم " كي يشعرني بألفة، أحتار ماذا أرتدي، لم يسبق لي أن حضرت حفلات كهذه. ألجأ إلى نقولا الذي يرافقني لأشتري أول مايوه وثياباً أخرى. لم تجد أمي كلاماً تقوله بعد أن أريتها الثياب سوى " ناس بتموت وناس..." لا تكمل جملتها، أفقد صوابي، أرمي الثياب أرضاً، أقول أنها بلا إحساس، تنسى أنني صغيرة، تريد مني أن حية لأنها يتيمة الأب، لأن أبي خطف، لأن هناك حرباً وقتلى، ألست مثل كل الفتيات في عمري؟ إن كانت تريدني مثلاً بلا روح وبلا حياة...أراها على وراء أيام صامتة تتحرك على مهل كأنها لا تريد أن تكون مرئية، لكن غضباً في داخلي كان يفور كالبركان، أراها فيحتدم ثانية. ستة أشهر بعدها، نتزوج ونسافر إلى أميركا. جمل قليلة تتبادلها أمي مع أنطوان، لم تختلف على مر السنوات، كلها في حدود المجاملة الإجتماعية، المجاملة التي لا تجيدها، أردت أن أهرب منها إلى مكان بعيد جداً، لكن أميركا لم تكن كافية. صور وأحداث تختزل مراحل عمرها المليء بالأحزان. حرب تختطف الأب الحنون الذي غاب عن الحضور حتى في الذاكرة سوى لمعات طفيفة، وأم عاشت في يتم وحرمان، فكان لها أن تعمل في البيوت منذ صغرها لتؤمن لقمة عيشها. مشاهد تتوالى على ذاكرة الراوية الشخصية المحورية، بالأبيض والأسود، لتبقى رهينة الذكريات التي تنقلها إلى ذاك الزمن البعيد، وأحداث آنية تعيدها. بين الأمس واليوم تنتقل الروائية لتروي من خلال شخصيتها المحورية وعائلتها مدى إرتباط الإنسان بجذوره ومدى تعلقه بعائلته التي ورغم النأي، زماناً ومكاناً، تظل حاضرة لتنتشي بحضورها الروح، وتستبعد بصورها النفس.
عرض المزيد